عندما هدأت النيران وتوقف أزير المدافع ودوي الطائرات اثر انتهاء الحرب العالمية الثانية ـ (1945 ) وانطلقت حرب جديدة بين اكبر قوتين آنذاك الاتحاد السوفيتي وحلف الناتو (امريكا واوروبا الغربية ) وأطلق على هن الحقبة الحديثة في تاريخ البشرية المذكورة حقبة الحرب البارة ـ اى الناعمة ـ أدواتها الاستخبارات والمعلومات والحبكات لاقتصادية والثقافية والتي تصب كلها في مقالب أو قوالب سياسية تهدف في النهاية لمصلحة أحد الفريقين أودرء أو إفساد مخطط يحقق مصلحة للطرف الآخر .. وأسلحة جديدة وتطلب ذلك وجوها جديدة. كانت الدعوة الاشتراكية قد بلغت ذروتها آنذاك .. فعندما ستقرأ أبناء القارات المستعمرة (إفريقيا واسيا وأمريكا اللاتينية ) تاريخهم الحديث ، ووجدوا أن الغرب قد بنيي مجده على دمائهم وعرقهم وسواعدهم دون أن يقدم لهم أي شيء في المقابل إلا الفتات ـ التفتوا أيضا يسرة فوجدوا ماردا جديداً يتحرش من تحت انقاض الدمار الكوني الذي تسببت فيه الحرب بين الـدول الأسمالية .. شعوب عريقة وقديمة .. وأوروبية أيضا تدين بدين جديد وتحتكم لمنطق جديد غير دين الغرب ونواميسه.. ناموس يدعو للمساواة .. ودولة الرفاهية ... وخدمة المجتمع دون أنتظار مقابل .. وأدبيات أخرى عديدة ومثيرة وجذابة .. نعم لا يعترف الكيان الجديد بالديمقراطية بمعناها الغربي البسيط وأعلاهم [رجل واحد ..صوت واحد .. رجل هنا بمعنى شخص في عالمنا المذكور سرمدً ] ولكن يقصرها في المركز [ديمقراطية المركز] .. ربما لم يكترث مناضلو العالم الثالث آنذاك والذي جذبهم للنضال أصلا السعي نحو الديمقراطية لمفردة " مركزية " هذه ذلك أنهم كانوا يعيشون في أوضاع لاتوجد فيها أدنى سمات الديمقراطية اصلا... وربما من اجل الاشتراكية والنهضة المأمولين نام الناس على حملهم الأول ، أو تناسوه .. مع أن التاريخ سيثبت أن ذلك كان خطاً .. وان الديمقراطية تعلو على الاشتراكية .. ذلك انه حتى الاشتراكية نفسها لايمكن بناؤها دون ديمقراطية .
وأجتذب كادحو وناشطوا العالم الثالث نحو المسكر الاشتراكي بقوة . ونشأت الأحزاب الاشتراكية والتقدمية ( أو الشيوعية ) في كل البلدان ، وحقق بعضها السلطة هناك بانقلابات عسكرية ( مصر ، العراق ، سوريا ) وبعضها توارثت أفضت لأوضاع ديمقراطية ( الكنغو ، شيلي ، غانا ، ... ) وبعضها ثورات " مارش " مسلحة ( كوبا ، وفيتنام ، والصين والجزائر ) وازدادت بذلك قوة وزخم المعسكر الاشتراكي ، مما دفع الحلف الغربي للتقدم بالمزيد من المدد إلى آتون المعركة الجدية المتجددة .. لجأ الغرب إلى الانقلابات العسكرية الرخيصة والدنيئة والتي تولى بمقتضاها أحيانا ضباط صف سدة الحكم في العديد من البلدان [أطاح رقيب في الجيش الكونغولي ببباتريس لوممبا أول رئيس وزراء منتخب] .. حدث ذلك في كل العالم .. ولكن الأسلوب البلطجي هذا وجد انتقاداً عنيفا طاحت على أثره أجهزة مخابرات بأسرها وسقطت حكومات .. فلجأ الغربيون إلى أساليب انعم وأدق .. ووجدو في حركة الصحوة الإسلامية العارمة والتي لازالت تجتاح العالم الإسلامي ضالتهم .. فبدأت اكبر عملية اختطاف للإسلام وللحركات الإسلامية في تاريخ البشرية .
بدأت العملية بحذر وتكتم فنتائج الاكتشاف المبكر لهذه التوأمة الأعجوبة ستكون كارثة على احد التوأمين أو كليهما ..
وبدأت محاولات الاستقطاب بالمنح الدراسية ( اللقاء هناك حيث لا عيون ثالثة ) ، ثم بالاستثمارات الصغيرة ومن ثم بالتزكيات للمناصب .. والبنوك.. والمنظمات، مع الرفد المستمر بالخبرات " والنصح " ... وكانت مؤسسات النشر من اوسع المجالات التي تم الاستثمار فيها لرعاية جرثومة التوأمة فكانت مجلات انيقة وجيدة الإخراج تطبع مجانا حيثما كان هناك مسلمون .. فكانت مجلة " المسلمون " الفاخرة تصدر من سويسرا ( الإخوان رمضان ) وغيرها من عواصم الخليج ومن عواصم أخرى في العالم النائم ومن أصقاع شتى .. باكستان ولندن .. وخلافهما وكانت مشاورات ما وراء الكواليس بين الديكتاتوريات والإسلاميين ومؤسساتهم .. ويتم دعم مساعي تصالح الانظمة الدكتاتورية مع الرعاة الجدد لمصالح النيتو .. وتحت شتى المسميات .. وفي حين استفاد الغرب من حيوية كوادر الحركة الإسلامية وأدواتهم في تمر ير العديد من مشاريعه ، مثلا " تأييد حرب فيتنام ، استفاد الإسلاميون كذلك بتسرع خطى " التمكين "" الاختراق لمؤسسات الحكم ن في حين ظل الخطاب العام الاسلامي تنقويا جهاديا وتقوويا للقواعد وفي مواجهة الاخرين حدثت هجرة كثيفة للكوادر الإسلامية للغرب في السبعينيات .. وحدث لاشك تخاطب واستقطاب استخباراتي بين الجانبين .. حتي إذا نشبت مشاكل أفغانستان كانت الاحهزة الغربية في وضع مريح مكنها من الدفع بالشباب المسلم.إلي محرقة مجهولة الأهداف والنتائج ومن هنا نشأت كل البلاوي التي يعاني منها العالم الاسلامي حتي اليوم فقد دخل لاعب ثالث ـ الموساد تحت غطاء غربي .
( طائع أو مجبور أو عاجز ) وأدخل الخيرون تكتيكات" غسل الدماغ كيمائياً بعد أن استولوا على الذخيرة الغربية الثرة في هذا المجال والتي بدأت تجاربها منذ الخمسينيات وكانت إحداث " معبد الشعب " والقس الملغوم جونسون في غينيا الجديدة 1980)) تتويجا لتجارب في هذا المجال استمرت زهاء خمس وعشرين عاما وانفق عليها عشرات الملايين من الدولارات وراح ضحيتها نحو 200 شاب أمريكي في عملية انتحار جماعي اقبلوا عليها وهم مكبلون بسورة غير مرئية .. أسورة من نسج أخيلتهم إلي برمجتها الكيمياء القذرة" .. هذه نفس التكنولوجيا التي تجعل شابا أو شابة في مقتبل العمر ـ وأمامهما أمال عراض في مجتمعات مفتوحة ـ يقتحم جمعا آمنا ويفجر نفسه على مقربة منهم .. أو يقتحم مسجداً ويفتح النار على مصلين وهو يفعل ذلك بدعوى دينية " جهادية " .. لقد أثبتت استخبارات العديد من الدول العربية أن الممول الرئيسي للإرهاب " الجهادي في الجزائر( وشمال إفريقيا ) بيهودي غربي جاء من ألمانيا وتمسى بأحمد ودرس الأدب العربي ( وله فيه دكتوراة ) ويتعاقد مع المجاهدين على الرأس ( سبعة ألف دولار ) واليد ( ألفين دولار ) والرجل ( ألف دولار ) والتفجير من دون خسائر (500 دولار)!!! ويجب في هذا الصدد أيضا إن يستنطق أعضاء " الجماعة الإسلامية " في مصر والتي أعلنت توبتها واعتذرت للشعب المصري عن المجازر التي ارتكبوها في القاهرة والأقصر والعريش التي كانت تهدف لضرب السياحة والسلم الاجتماعي في مصر .و من مولهم ومن كان يوفر لهم الأسلحة والأموال التي كانت تتيح لأعضاء الجماعة السفر برا وجواً والنزول في الفنادق الراقية وفعل كل ذلك نحو خمسة أعوام !! وما يحدث الان في الصومال ( والعراق ) من نفس الشاكلة فقد افلح الغرب في نقل العنف إلى عمق العالم الإسلامي ليستخدم وكلاءه لتمزيق تلك الشعوب التي وقفت في وجهه يوماً ما .. ومن المؤسف أن يتخذ من إسلاميين مفترضين أداة لكل ذلك.ثم كانت القاعدة .... وسوف يثبت التاريخ حين تكتب الفصول المغطاة والمطموسة منه يوماً ، أن القاعدة كانت ولا تزال اكبر مشروع استخباراتي غربي على مر التاريخ طائرات ركاب ضخمة عابرة محيطات في أجواء نيويورك ويراوغون بهذه الآليات الرهيبة والمعقدة بين ناطحات السحاب التي يفوق عددها المئة ، لكي يصطادوا مبنى واحد " أو مبنيين توأم ( بالتحديد ) ويفلحان في تفجيرهما كليهما دفعة واحدة ، في أوان يتواجد فيه ( مصور هاو ) في وضع التصوير الميداني وكاميراته مستعدة ولا يفوت عليه ولو حتى أدق تفصيل العملية !!! ثم .. إذا تم تحيد وتفجير مبنى قابع في مركز البلد المترامي الأطراف وتفجيره بهذه الدقة والكمال .. فكيف يفشل طيار آخر مفترض من نفس المجموعة في إصابة مبنى البنتاغون العريض والواسع والواضح وتنفجر طائرته على بعد أمتار من هدف سهل ؟ ثم لماذا كانت تلك العملية يتيمة !!
لقد ترتب على الحادي عشر من سبتمبر المروعة والمخزنة . والتي يدينها كل ذي ضمير حي ـ الكثير .. ولكن أفظع ما ترتب عنها هو تشويه صورة الإسلام لقرن كامل من الزمن ، وتبرير أعاقة الهجرة الإسلامية غرباً جسدياً وثقافياً ، وتبرير نقل الإرهاب للأقطار الإسلامية ، وإسكات كل صوت معارض للتعسف ضد الأقليات المسلمة في الغرب ، وإعادة تهجير قرابة مائتين ألف شرق أوسطي من أمريكا إلى أوطانهم ، وإسكات أي صوت ينادي بحرية الدعوى والإخاء الاممى وتبرير أية إجراءات أخرى بدعاوي الحفاض على الأمن القومي .. إضافة لا ستباحة استخدام القوه الهوجاء ضد الشعوب الإسلامية من العراق .. إيران .. وباكستان .. أو صومال .. والقائمة تطول وقد لا تنتهي عند احد .. خاصة من يفكر في التصنيع الاستراتيجي الثقيل أو الحربي أو حتى استنبات الصحراء بالقمح... فقد يعتبر كل ذلك مهدداً للأمن القومي الغربي ...أن على الحركة الإسلامية خاصة في السودان أن تتبرأ من ماضيها القريب وأن تسعى لاستعادة الرشد والطهر الإسلامي الذي كان مدخلها إلى قلوب الناس ..هي تقاعست عن ذلك فلن تستطيع أن تصمد أوتبقى .. عندها فيجب ألا يلام أحد أو أمة تسعى للإنعتاق من الزيف والكبت وتنتفض على النهب والتمزيق . وعكس ما يوحى الكثيرون فأنني أجزم بأن للحركة الإسلامية كادرا " مخلصا " ومتعلم ط ورعا " ... لكنه مهمش .. وأن هذا الكادر قادر على القيام بالمسؤولية التاريخية وحمل الأمانة وإزجاء القدوة الحسنة التي لطالما أفتقدها بنيان الحركة المتمكن اليوم ...أن تاريخ الشعوب لا يقاس بالعشر أو العشرين من السنين ... وان المجتمعات البشرية لا تموت ولا تفني قبل الساعة ... كما أن للشعوب مقدرات رهيبة على الكفاح من أجل الحق ... وتضميد الجراح ،،، وسكب الماء البارد على الوجوه الملتهبة غضبا" ... و لغسل الدموع حتى و لو أسيلت بفعل فاعل ... فكلم غسلنا من دموع ... ولكم ضمدنا من جراح ... ولكم شيعنا من شهداء ... ومسيرتنا لم تنته ... وعضدنا لم يفت .... و الله المستعان .

البروفيسور/بابكر عباس