رياح باردة توخز جلدي... تخنق أنفاسي .. شعرت بألم يعصر صدري ..وحمم بركان يتقاذف بداخلي .. أفكار متضاربة تجول في رأسي . الدماء تتدفق في عروقي وتكاد تفجر دماغي .. نظرت حولي .. فوجدت الدنيا تكتسي لونا غير لونها .. الزهور غير الزهور.. الوديان قاحلة .. الطبيعة غير الطبيعة .. المرارة تكتسح حلقي .. وترقرت الدموع في عيني ..وبدأت الحرارة ترتفع في جسمي ..وتدور الأشياء من حولي ... وحبوت إلى الخارج بحثا عن نسيم لعله يخفف من آلامي.... يا إلهي!! أنا أرتجف لا شك أن عنصرا ما ينقص جسمي ... أم الحمى لحست عقلي ... جمعت قواي المتناثرة في كفي متوجهة نحو الطبيب ... ومرت الدقائق ثقيلة على نفسي ثقل الجبل ...يا ترى متى سيأتي دوري ؟!...وأخيرا سمعت الممرضة تتفوه بإسمي ...خطوت مسرعة ، لحظات ووصفت للطبيب حالي ..بعد حل وعقد وتفكير عميق وصف لي العلاج . أخذت الروشيتة وجبت بها على الصيدليات ولكن دون جدوى .. لم تعدم الأودية إلا دوائي .. لأنها ماركة من صناعات نادرة.. فشلت فيه الشركات العالمية... جلست في حيرة أترقب الأمور، وما يمكن فعله لإنقاذ حالي... وفجأة نظرت إلى الروشيتة محاولة قراءة الطلاسم المخطوطة عليها... وبعد جهد جهيد استطعت فك الشفرات ومعرفة الوصفات... كانت مُشَكّلة من أنواع مختلفة وواحدة في نفس الوقت... هي أقراص الصدق كمضادات حيوية ... وحقن الصدق كمسكنات للآلام... فيتامينات الصدق كمقويات وتعويض ما يفقده الجسم من الطاقة.. وأشار الطبيب على هامش الرشوتة بالخط الأحمر إلى أن هذا العلاج يؤخذ على مدار اليوم والليل وفي كل ثانية ومدى الحياة!!! يا للهول!!! رحماك يا الله ولطفك، هكذا قلت وأنا أتصبب عرقاً ويكاد قلبي أن يخرج من قفص صدري وكأنه يحاول الهرب مني... فمسكته بالنواجذ وهدأت من روعه وسألته: ألست مؤمناً بالله قال: بلى وربي! فقلت إن مرض أنفلونزا الكذب رغم خطورته وتهديده للجسم والنفس سنجد علاجه أينما كان... ثم أخذت الفانوس في وضح النهار والشمس حارقة... وجبت الشوارع والزقازيق... ورحت أبحث عنه في وجوه المارة، وفي الأعين والنظرات... في الشفاه والكلمات... في الملامح والتعبيرات... وحتى في الحركات والسكنات... بل تحسسته في شعاء الشمس وضوء القمر...على قمم الجبال وشواطئ البحرو رمالها.. انتابتني الحيرة وتمكن مني التعب ...والحزن خيم على وجهي ، فاستندت إلى جذع شجرة لألتقط أنفاسي و أواصل مشواري لعلي أجد دوائي... وعلى مضض جاءني شيخ مهيب... وقور... يشع من وجهه نور الإيمان... والطهر والنقاء والصفاء، سألته بكل احترام بعد التحية يا شيخي الجليل أأنت من زماننا؟ أم من الذي مضي؟ ولا من الذي لم يطل علينا؟ فرد عليّ قائلاً:- يا ابنتي أنا لست من الأزمان الذي ذكرتيه... أنا من زمن الصدق... الإخلاص... الاحترام....الحب... التقدير... الاجتهاد... التآزر... الإنسانية... والروحانية، أنا يا بابنتي من زمن مثالي نموذجي ليس له مثيل، فقلت: يا شيخي أنا مصابة بأنفلونزا الكذب والطبيب وصف لي الصدق علاجاً وقد عجزت الشركات العالمية من صناعته فماذا أفعل؟! وخصوصاً أنني بحاجة إليه مدى الحياة!!
فقال: العلاج بين يديك، فقط لا تحركي لسانك إلا بالصدق... لا تحركي لسانك إلا بالصدق... وتركني أردد وراءه الصدق... الصدق... الصدق... حتى اختفي من نظري... لحظات وأجد نفسي بقوة الحصان... وعاد الجمال إلى الطبيعة... وللورود ألوانها... وللنسيم عطره الشذى... لا غصة في حلقي ولا براكين تثور بداخلي لا مغص ولا إلتهابات معدية ولا غثيان ولا صداع ولا ارتجاف ولا رعشة!! لقد زال الألم! وذهب بلا رجعة!
لنتخيل لو كان الكذب مرضاً عضوياً فضلاً عن كونه نفسياً أو قلبياً ويفتك بالإنسان ويقضي على صاحبه.
كم سيكون عدد سكان هذا العالم؟ وهل يا ترى سنلتزم الصدق كعلاج؟ ننتظر منكم الإجابة.
وهناك مثل عربي يقول :الكذب داء والصدق دواء
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
( يا رسول الله ما عمل الجنة قال : الصدق وإذا صدق العبد بر وإذا بر آمن وإذا آمن دخل الجنة قال يا رسول الله ما عمل النار قال الكذب إذا كذب العبد فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر دخل النار )
إسناده صحيح - المصدر: مسند أحمد - : 10/126
نبيهة عبدو فارح