(لم تظهر فاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا...) رواه ابن ماجه
إن هذا الحديث الشريف من المعجزات الإلهية، والجوامع التي وهبها الله رسوله العظيم، إنها معجزة دالة على مصداقية رسالة الرسول الخالدة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إن هذا الحديث من الأدوية الناجعة من صيدلية من لا ينطق عن الهوى،إنه حديث فيه إنذار لمن يخالف الله ورسوله، واتخذ إلهه هواه.
إن هذا الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم، التي انطبقت معانيه على هذا العصر، الذي فيه طغت الحضارة المادية على الإنسان وأورثته الابتعاد عن ربه، وأظهرت له مفاتنها، حتى انقض عليها كما ينقض الصقر على فريسته.
تفننت البشرية في هذا العصر بفعل معصية الله سبحانه، وتسابقت إليه، وتزاحمت على أبوابها للولوج فيها، بل تقاتلت لأجلها ليروي كل منها ظمأه، ويطعم من جوعه لها، حتى تعدت على حدود الله، فأطلقت البشرية عنان شهواتها، ترعى حيث تشاء وتبيت أينما تريد، تحت شعارات وهمية يسمونها (الحرية). (إنها حرية الفسوق لا حرية الحقوق،) فكثرت الزلازل والطوفان في مشارق الأرض ومغاربها، وأطلقوا عليها بغضب الطبيعة، ونسوا غضب رب الطبيعة، وما طوفان كاترينا وتسونامي منا ببعيدين.
إن هذه الأنواع من الكوارث والمصائب التي تأتي الناس ضحى وهم يلعبون، أو ليلاً وهم نائمون، لم تأتي سدى، ولا هي من غضب الطبيعة كما يزعمون، بل إنما هي غضب رب هذه الطبيعة، ولكن من حسن الحظ لهذا الإنسان، أن يرسل الله عليه بمثل هذه الكوارث ليتعظ بها، ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى.
عالم قلق
إلى جانب هذه المصائب وهذه الكوارث، تعيش البشرية في حالة من القلق الشديد، عكر صفوة عيشها الهنئ، وأهدر أموالها التي جمعتها وأوعت، وأعجز أطباءها، وأغلق عليهم أبواب مختبراتهم، لعلهم يجدون له حلاً. ولكن مازالوا مكتوفي الأيدي، ينام بعضهم على ماسات مختبراتهم تعباً وإرهاقاً.
إن هذا القلق هو النتيجة والمحصلة من طاعون هذا العصر ( الإيدز) الذي لم يترك بيت مدر ولا وبر إلا دخله، حتى ظن الناس جميعاً أنه لم يسلم منه أحد من العالمين، حتى الذين لم يخضعوا لفحوصات طبية، يتصرفون كأن العدوى قد انتقلت إليهم، فصار في نفوسهم وحشاً يطاردهم ليلاً ونهاراً ويوقظهم من نومهم العميق.
لم يدخر الإنسان جهداً إلا بذله في سبيل مقاومة هذا الطاعون ومحاربته، واستئصال جذوره، فجُندت له منظمات، كما دُرّب له أطباء وممرضون ذوي كفاءات عالية، وقدرت له ميزانيات كبيرة تفوق ميزانيات بعض الدول النامية أو الفقيرة، وجعلت له أيام عالمية ومحلية ، وتعدُّ له في هذه الأيام مهرجانات موسيقية وتظاهرات رياضية وثقافية، وندوات علمية لتوعية المجتمعات في العالم.
بضاعة مزجاة
نحن كمجتمع مسلم ذو قيم متميزة، وتقاليد تختلف عن تقاليد غيرنا من شعوب العالم، لا يليق بنا أن نقبل بعض مظاهر الاحتفال بذكرى اليوم العالمي لهذا المرض (الإيدز) ولا أن نقبل البضاعة المزجاة من الغرب بعلاتها، بل يجب أن نغربلها ونأخذ الأحسن منها غير مغشوشة، إلى جانب ما لدينا من أسلحة قادرة لوضع حد لتحديات هذا الطاعون، تلكم الأسلحة التي صنعتها شريعة الله لإنقاذ البشرية.
فمن الغريب والملفت للنظر أن تسمع أجوبة الأطباء، لكل من يسأل عن شيئ من أسباب هذا المرض، أنه من الزنا، وفي الجانب الآخر، عند الاحتفال باليوم العالمي والمحلي له، أن نرى مشاهد في غاية التناقض مع ما نقوله في شأن أسباب انتقال عدوى هذا المرض الفتاك. فكل السلوكيات والتصرفات الداعية إلى الوقوع في المحظور، هي التي تحدث أثناء الحفلات، من الرقص الماجن، والاختلاط بين الرجال والنساء، والشباب والشابات، وارتداء الملابس الفاتنة مما يثير غرائز الشباب عامة، ويدفعهم إلى هاوية الفساد والانحلال الخلقي، ويسهل لهم الطريق الموصل إلى الزنا.
ومن المفارقات العجيبة أيضاً التي تحملها معاني تلك الحفلات، أنها احتفالات تعبر عن الفرح والسرور، وتبادل التهاني والتبريكات، بينما كان من المفروض أن تكون احتفالات تعبر عن الحزن والاستنكار لانتشار هذا المرض وأسبابه.
تصور أسرة أصيب أحب الناس إليها، ويتقلب على سرير الموت وحرم عليه النوم الهنئ بمصيبته، ثم تأتي وتجتمع على هذا المصاب وتقيم عليه حفلاً راقصاً، وإذا سئلت لم هذا الحفل؟ يكون الرد، إننا نحتفل بمصيبته.
أسرة واحدة
إن المجتمع أسرة واحدة، وجزء واحد لا يتجزأ، إذا فرح الفرد من أفراده فرح كله، وإن أصابه الحزن حزن الجميع، انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد...). إن هذا التشبيه الرائع البليغ لمن أعطي جوامع الكلم، والذي أعجز الإنس والجن بإتيانه بعضهم لبعض ظهيرا، هو الصورة الحقيقية التي ينبغي أن تكون عليه هذه الأمة.
إن هذا الأسلوب المتبع لإحياء اليوم العالمي للإيدز، إنما هو أسلوب لمن لم يجد بديلاً قادراً على إقناع البشرية بأن تسلك سبيل النجاة، أو لمن يجهل حقيقة ما يحمله الهدي الإلهي، مثله كمثل الحمار الذي يحمل أسفاراً، بئس مثل القوم الفاسقين، وهو أسلوب لمن أبهرت عيونهم الحضارة الغربية المادية قالوا بملء أفواههم: لابد أ، نأخذ ما عند الغرب حتى وإن كان فيه هلاك لنا.

حامد علمي أحمد