إن أي ظاهرة تنتشر وتتوغل بكل سهولة بين المجتمع وتثبت في فترة وجيزة انتماءها إلى منظومة التقاليد والعادات التي تسيطر على اتجاهات وأعمال وممارسات ذلك المجتمع، وبعد ذلك يكون من الصعب محاربة تلك الظاهرة وطردها من ميدان المنظومة الثقافية ببطاقة حمراء ترفع من قبل ناشطين أو حقوقيين أو أصحاب رأي ورجال دين يجمعون على ضرورة مكافحتها بالعلم والدين والقوانين، ذلك أنها تحتمي بالسواد الأعظم من المجتمع ممن هم على عقيدة " إنا وجدنا آباءنا .. وتتحصن بمظاهر الجهل وغياب الوعي، كما تتنكر بزي الأخلاق والشرف ومنع الانحراف وأعتقد أن كل هذا ينطبق على ظاهرة ختان الإناث التي مازال يتشبث بها قطاع واسع من المجتمع رغم إيضاح علماء الدين هزال ما يستند إليه من الشريعة في تبرير هذه الممارسة وكشف الأطباء آثارها السلبية الضارة وما تشكله من تهديد لصحة الإناث الجسدية وما قد يترتب على كل ذلك لاحقاً من مشاكل نفسية واجتماعية وقد اعتبر الحقوقيون هذه العادة انتهاكاً لحقوق المرأة بما في ذلك حقها في السلامة الجسدية، ما يؤكد على الحاجة الماسة إلى التخلي عن هذه الممارسة نهائياً، وضرورة حشد طاقات وجهود كافة قطاعات المجتمع.
وفي هذا السياق يأتي احتفال بلادنا في الأسبوع الماضي باليوم العالمي لمكافحة ختان الإناث تحت شعار (( دور الرجال في القضاء علي ختان الإناث والذي كان مكرساً للدفع إلي التخلي التام عن كافة أشكال الختان الأنثوي؛ بالوعي الجماهيري إلي مستوي فهم ضرورة تفعيل وتحقيق الالتزام بالإقلاع كلياً عن هذه الممارسة، ومحاصرتها، كما أن الاحتفال كان تتويجا للعديد من الأنشطة والبرامج والندوات وجلسات التعبئة الاجتماعية على المستويين الرسمي والشعبي للارتقاء بوعي المجتمع من تراث ثقافي لا يقوم عليه دليل أو معرفة سطحية لمخاطر هذه الممارسة إلي إدراك حققي يستقر في بؤرة الشعور. لاشك أن كل هذه الجهود مقدرة وبدأت تحقق نتائج ملموسة وأن هذا التكثيف لهذه البرامج التوعوية ضروري لما تمخض عنه من انحسار واضح لهذه الظاهرة ليس على مستوى الممارسة فحسب بل على المستوى الثقافي والنظرة العامة وإن لم تصل إلي الهدف المنشود المتمثل في التخلي التام.
وهذا ما دفعنا للتوقف على هذا الموضوع والتساؤل عن سر التعلق بإشراع السكين في وجه الأعضاء التناسلية الأنثوية وتناوله بمناقشة أرجو أن تكون موضوعية في هذه العجالة فختان الإناث عادة بدأت في مصر القديمة قبل مائة عام من الميلاد وتمارس حاليا في عدد محدود من دول القارة السمراء؛ ومن بينها جيبوتي .
وهي ممارسة تعتبر نتاج سيطرة العرف السائد والعادات والتقاليد التي بعضها تعود جذوره إلي الأديان وتعضها الآخر اعتادت بعض القبائل في أدغال إفريقيا التعاطي معه بدون النظر والتوقف جدياً على الأسباب أو المظاهر أو الآثار؛ كما أنها تتم في بعض الحالات بصورة مبالغ فيها مما يحرم الإناث من المتعة الزوجية الشرعية ، وقد تتراوح النتائج ما بين الألم لدرجة الصدمة إلي ما يصاحب ذلك من نزيف واحتباس للبول والتهابات قد تتطور إلي تقرحات في الأعضاء التناسلية، وربما بتلوث الأدوات المستخدمة في تلك العملية إلي أمراض أخرى خطيرة إلي غير ذلك من الآثار الصحية بعيدة المدى من ضرر إحليلي يؤدي إلي مشاكل بولية، بالإضافة إلي صعوبات في الولادة، وكل هذا يتم دون وجود سند شرعي قوي بوجوبها أو حتى استحبابها فمن نظر في القرآن الكريم لم يجده تعرض لقضية الختان بشكل مباشر ؛ وإن ما ورد في السنة المشرفة لم يصح منها حديث واحد صريح الدلالة على الحكم ، على أننا لو سلمنا بصحة حديث أم عطية أشمي ولا تهتكي... فما الذي يفيده هذا الأمر النبوي من وجوب أو استحباب أم إرشاد ؟ّ! والأرجح والله أعلم أن الأمر في مثل هذه الأمور يكون على سبيل الإرشاد لأنه يتعلق بتدبير أمر دنيوي وتحقيق مصلحة بشرية حددها الحديث بأنها نضارة الوجه للمرأة والحظوة لدى الزوج.
وأما حديث (( الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء )) ففي حال ثبات صحته فما يدل عليه أنه مكرمة للنساء : أي أنه شيء مستحسن عرفاً وأنه لم يجئ نص من الشارع بإيجابه أو حتى استحبابه ؛ وهذا أمر قابل للتغير، إذ أن ما يعتبر مكرمة أو قيمة جمالية في عصر وقطر ليس بالضرورة كذلك في عصر أو قطر آخر، ولهذا نجد أن عدداً من أقطار المسلمين لا يختنون نساءهم .
هذا بالإضافة إلي أن هناك حقيقة مسلم بها لدى جميع المؤمنين وهي: أن الإنسان بكل صفاته وغرائزه منحة من الله الذي خلق الإنسان في أحسن صورة وقال تعالي في ذلك (( إنا خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) فلماذا يرى الإنسان ن أحق من الله في تغير صفة وضعها الله فيه ؟؟
وهل هو حين يقوم بذلك يكون منطلقا من أن شهوة الأنثى هي خطأ إلهي وجب عليه تعديله !! وهناك وجهة نظر أخرى تتخفى بعض المجمعات في إفريقيا وراءها لتبرير الاستمرار في هذه العادة ؛ فهي تعول على أن الختان يحد من جنوح المرأة وبالتالي ضمان عدم انحرافها، وهنا قد يتساءل البعض: هل كل إناث العالم اللاتي لم يتم ختانهن هن إناث شاذات جنسياً ؟ أو جميعهن انحرفن ؟!! وهل الختان وسيلة وحيدة للحفاظ على العفة ؟ وهل يعتبر وحده كافياً لضمان عدم الانحراف ؟؟
ألم تجمع الدراسات والأديان والعادات والتقاليد جميعاً على أن الانحراف نتيجة للتربية الخاطئة ؟!
وبعد كل هذا اسمح لي عزيزي القاري: بأن أدعي الموضوعية وصحة ما خلصت إليه من خلال هذه القراءة ؛ وهي أن ختان الإناث عملية غير أخلاقية وغير مشروعة لوقوعها تحت طائلة التجريم إذ تنطوي هذه العملية على جرائم تتمثل في الإيذاء البدني وهتك العرض وممارسة العمل الطبي دون ترخيص !!!
محمد إبراهيم محمد