في مقال مقتضب نشر في عدد الخميس الماضي من الصحيفة تحت عنوان (( الأسبوع الوطني للغات الأم .. والجهود من أجل النهوض بها )) والذي حاولنا فيه التطرق بإيجاز لما يتهدد لغات الأم في هذا العصر من تحديات كبيرة ومعقدة ، وأخطار حقيقية متمثلة بدرجة أولي بـ (( العولمة Globalzition )) بكل صورها وأشكالها وتجلياتها كما سلطنا فيه بعض الضوء على الجهود التي تبذل على الصعيد الدولي عامة والمحلي خاصة في سبيل تطوير لغات الأم ، والنهوض بها وحمايتها من كل ما يتهدد بقاءها ، واستمراريتها ونظراُ لما للعولمة من انعكاسات وأثار سلبية جلية على تلك اللغات ــ التي اندثر منها حتى الأن حسب إحصائيات اليونسكو ؛ أكثر من 6000 لغة ــ وإدراكاً لما يترتب عليها من تراجع وانحسار للهويات من عادات وتقاليد وموروثات ثقافية وخصوصيات تصنع تنوعاً وتمايزاً ثقافيا ؛ يثري عالمنا هذا ثقافياً وحضارياً .
وانطلاقاً من الأهمية التي تكتسبها هذه القضية ؛ وإدراكاً لما لها من جوانب وأبعاد أخلاقية وحضارية توجب علينا التوقف قليلاً على هذه القضية الشائكة والمعقدة ، والتعرض لها بشئ من التحيل والاستنتاج من خلال طرح بعض التساؤلات الأولية حول ماهية العولمة .. والخوض في الفرضيات المتعلقة بالجانب الثقافي منها آخذين بعين الاعتبار الطبيعة الجدلية للقضية ن وما يمكن لها أن تحتمله من أوجه متعددة في محاولة بسيطة لفهم أوسع ونظرة أشمل لها .
وإذ نبتدئ الغوص في أعماق هذه المسألة ؛ يأتي تساؤل ملح يفرض نفسه بقوة : هل العولمة ظاهرة متعاظمة ومتسعة رأسياً وأفقياً ، كما وكيفاً بعوامل وقوى ذاتية ؟ أي أنها في المحصلة ليست سوى نتيجة تراكمية لما وصلت إليه البشرية من تطور كبير في مجال النظم المعلوماتية ، وتقدم هائل في وسائل المواصلات والاتصالات !!
ـ ألم يصبح عالمنا هذا جراء سطوة العولمة صغيراً جداً بحيث يمكننا العبور بكبسة إلي أي مكان فيه متخطين ومتجاوزين نطاق الزمان والمكان ؟!
ألم تتطور العولمة لتتحول إلي معادلة أو بالأصح إلي حالة موجهة من قبل من يمتلك الكم الأكثر والقدر الأكبر من مفاتيحها وأدواتها !!
ليكون في المقابل ثمة خاسر أكبر خاصة ممن يعيشون ضمن الساحة التي بفضل البعض تسميتها بـ (( الفجوة الرقمية )) ويمكن لنا تسميتها على سبيل التبسيط بـ (( الأمية الإلكترونية )) !!!
وبالتالي ؛ وطالما كان الأمر مفتوحا على ذلك الاحتمال فانه يحق لنا أن نطرح التساول التالي :
ـ هل هناك (( من وراء البحار )) ! من يحتكر الاستفادة من المعادلة أو الحالة لحسابه الخاص من قوى وجهات ؛ دولاً كانت أم منظمات سياسية أو تجارية واقتصادية ؟
أم أن في هذا العالم مساحة وهامشاً من العدالة وتكافئ الفرص تسمح للجميع بالإستفادة من هذه المعادلة ؟!! لا ندري . لكن نتمنى أن يكون الأمر كذلك ؛ كما نتمنى أن لا يأتي علينا بعد حين عصر من (( الجاهلية الحديثة )) التي لا نرى فيها سوى شعوب لا تستسيغ من الطعام غير الهمبرغر والهوت دوغ ، وأجيال لا تلبس سوى الجنز والتي شيرت ، ولا تجيد شيئاً في هذه الحياة سوى الرقص والاستماع بموسيقى اللهيب هوب !!!
محمد إبراهيم محمد