منذ عقدين وأكثر والصومال ذلك البلد الإفريقي العربي المسلم يعاني ويلات الصراع والحرب الأهلية وغياب الدولة وانعدام للأمن والاستقرار وما صاحب ذلك من مواسم للمجاعة تضرب بأطنابها جنبات ذلك البلد لتحصد معها في كل مرة أرواح الآلاف من أبناء ذلك الجار والشقيق.
فمن حرب أهلية طاحنة اشتعلت مباشرة بعد سقوط نظام محمد زياد برى في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، واقتتال بين أبناء ذلك الشعب بدعوى القبلية ساهم في اشتعالها أمراء الحرب الذين اقتسموا في تلك الحرب مقدرات البلاد ومصائر العباد ليستمر ذلك الاقتتال لأكثر من عقد من الزمن صمت فيه العالم بأممه المتحدة عاجزاً عن فعل شيء تجاه ذلك الاقتتال سوى تلك المحاولات الصادقة من الجوار كمؤتمر عرتا للمصالحة الوطنية الذي لم يستطع في نهاية المطاف حلحلة تلك المشكلة هناك، إلى أن ظهرت في الساحة الصومالية قوة جديدة متمثلة بالمحاكم الإسلامية التي استطاعت في وقت قياسي نسبياً السيطرة على معظم أرجاء الصومال وتمكنت من طرد أمراء الحرب من المواقع التي كانوا يسيطرون عليها طيلة سنوات فظهرت بوادر لانفراج الأزمة وتفاءل البعض لذلك، لكن وربما بتدخل دولة من دول الجوار عسكرياً هناك ينظر إليها كثير من الصوماليين كعدو تقليدي بسبب تخوف تلك الدولة من القوة الجديدة التي بدأت تفرض سيطرتها على أرجاء واسعة من الصومال وما اتسمت به تلك القوة من طابع إسلامي أصولي في واقع اتسم بالعداء لكل ما هو إسلامي تحت دعاوي مكافحة الإرهاب والذي تغيرت فيه الكثير من المفاهيم والأبجديات في قاموس العلاقات الدولية، ومع هذا التدخل من قبل الدولة الجارة ظهرت قوة جديدة أخرى من الجوار ليتحول الصومال إلى ساحة لتصفية الحسابات بين بعض الدول المتنازعة في المنطقة ولتنقسم المحاكم الإسلامية على نفسها ويخرج من رحمها حركات أكثر راديكالية من الحركة الأم وفي محاولة أخرى من الجار الأقرب والحريص علي انقاذ الصومال وهي جيبوتي تم جمع هؤلاء الفرقاء الذين كانوا بالأمس القريب رفقاء السلاح على طاولة واحدة في محاولة لمقاربة حل سياسي للأزمة المستفحلة هناك متمثل في اتفاقية جيبوتي 2008 التي نتج عنها انتخاب شيخ شريف شيخ أحمد رئيساً مؤقتاً للصومال ولتسحب على إثرها الحكومة الإثيوبية قواتها العسكرية، إلا أن ذلك لم يعجب البعض في خارج الصومال وداخله ممن يحملون أجندة خارجية ويرفعون شعارات رنانة من قبيل المقاومة وهم ليسوا في النهاية سوى أمراء حرب وجماعات مسلحة تأبى إلا أن يستمر الصراع والاقتتال بين أبناء البلد الواحد رافضين أي دعوة للحوار ومانعين لوصول الغذاء والرعاية الطبية لأبناء جلدتهم الذين ضربت المجاعة والجفاف مناطقهم مؤخراً دون أدنى سبب منطقي ماعدا مبرراتهم الواهية وشعاراتهم التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وختاماً.. وإذ لاحت في الأفق فرصة ذهبية للسلام قد تكون الأخيرة ماثلة بمؤتمر لندن حول الصومال الذي استضافته العاصمة البريطانية في الأسابيع القليلة الماضية بمشاركة دولية واسعة وبحضور قادة دول المنطقة في ظل الأوضاع المستجدة في الصومال من فقدان الحركات المتمردة سيطرتها على مواقع وأرجاء كبيرة من البلاد بسبب خلافات داخل تلك الحركات وانقطاع للتمويل الذي كان يأتيها من الخارج. وبعد أن لاحت هذه الفرصة توجب على الصوماليين جميع الصوماليين أن يقفوا وقفة صادقة مع أنفسهم يغلبون فيها مصلحة البلاد والعباد فوق كل اعتبار علّ الحرب تضع أوزارها بعد كل هذه السنين الطويلة ويعم أرجاء الصومال الأمن والسلام والاستقرار.
محمد إبراهيم حجازي