من منا لا يذكر الأيام الخوالي حيث السيدات والفتيات والأطفال يجلسن في مساءاتها أنصاف حلقات أمام الشاشات الصغيرة منتظرين بشغف الإطلالة اليومية لــ"ماريا" الفتاة الحسناء من أمريكا اللاتينية في دور جولييتي!! من أدوار البطولة المطلقة في الأعمال الدرامية المدبلجة التي اعتادت آنذاك الفضائيات والقنوات المحلية أن تأخذ مشاهديها من خلالها إلى أجواء تلك القارة المجنونة حيث كرة القدم والمهرجانات اللامنتهية والكرنفلات الصاخبة بالموسيقى والألوان.
ولم يكن مسلسل من تلك المسلسلات الغرامية لينتهي بعد أن تخطت عدد حلقاته المائة والمائتين حلقة، وقبل أن يلتقط المشاهدون أنفاسهم، إلا ويبدأ مسلسل لاتيني آخر لا تخرج أحداث حلقاته من نطاق قصص الحب السريالي المكررة التي يهيم فيها ابن العائلة الأرستقراطية الثرية بالخادمة الحسناء والتي غالباً ما يكون الجزء الأول من اسمها المركب في تلك الأعمال "ماريا" ليتغير الجزء الآخر من الاسم بتغير المسلسل ليكون اسمها في مسلسل ماريا كلارا وفي مسلسل آخر ماريا فيرناندا أو ماريا سلستي أو ماريا..... في مفارقة عجيبة من متلازمة الأسماء اللاتينية المركبة.
وفجأة.. وفي لحظة غفلة من المهوسين بهذه النوعية من الأعمال الدرامية - والذين هم في الغالب من الجنس اللطيف - اختفت تلك المسلسلات لتحل محلها مجموعة أخرى هائلة من الدراما التركية التي أغرقت معها القنوات الفضائية العربية في نسخة شرقية من سابقتها اللاتينية التي لم تختلف عنها كثيراً سوى باعتماد اللهجة الشامية الدارجة في الدوبلاج.
كما أن تلك المسلسلات الطويلة والمملة في نسختها التركية تميزت بالخلط بين قصص الحب والهزلية والقضايا الاجتماعية والمضامين السياسية في قوالب مشوشة الملامح من التراجيديا والكوميديا الفنتازية في مزج عشوائي ينتهج الحشو والإغراق في التفاصيل بغرض الإطالة التي لا تخدم الحبكة الدرامية للعمل، وفي غياب واضح لأية مضامين أو قضايا حقيقية.
ولست هنا أعزائي القراء... في صدد الاسترسال في التقييم والنقد الفني، أو السخرية والتهكم على تلك المسلسلات وجمهورها الطيب أينما كانوا، لكن ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو العودة الحميدة لمسلسلات ماريا في نسختها "التشوولية" الجديدة "ماريا تشو" ليعود معها ذلك الهوس الساذج بكل عمل فني لا يحمل في طياته أية قضية أو رسالة هادفة!!
محمد إبراهيم حجازي