في تعقيب بسيط ومحاولة أبسط للبحث عن بعض الأجوبة المقنعة للتساؤل الكبير الذي طرح في مقالة للأخ فيصل مختار من منيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية نشرت في عدد سابق من الأعداد الأخيرة لشهر يناير من هذه الصحيفة تحت عنوان: "متى ستنهض الأمة"..
والذي استعرض فيها الكاتب الأوضاع المزرية التي تعيشها "الأمة الإسلامية" منذ عقود من فرقة وضعف وتخلف في شتى المجالات وتكالب للأعداء عليها!! وهي لا تملك من جانبها دفعاً لذلك سوى الابتهال والكثير من الدعاء عل الله يدفع عنها كيد الكائدين وتآمر المتآمرين، كما تطرق فيها بشكل عرضي للأحداث الراهنة في المنطقة العربية تحديداً من ثورات وانتفاضات شعبية في بعض دولها تعاملت معها بعض الأنظمة بالقبضة الحديدية وبقمع سادي مفرط سقط معه المئات بل الآلاف من المدنيين الأبرياء الذين ظللوا حياة الفقر والقهر والاستبداد، ليخلص الكاتب إلى استنتاج مفاده أن كل ما حدث ويحدث في المنطقة العربية من العالم الإسلامي ليس سوى نتاج مؤامرة جديدة يحيك خيوطها من وصفهم بــ"أعداء الأمة" المتآمرين عليها.
ليصل الكاتب في نهاية مقاله إلى التساؤل المفترض في مضمون المقال وعنوانه المتمثل في "متى ستنهض الأمة؟؟"
وفي محاولة متواضعة للتوصل إلى ما يمكن اعتبارها أجوبة منطقية لذلك التساؤل المفترض باعتماد مقاربة تأخذ بعين الاعتبار ضرورة لتسليط الضوء على مصطلح الأمة كمفهوم كنقطة انطلاق نتناول بعدها الأسباب والعوامل المتراكمة المحتملة تسببها في أن تصل الأمة إلى هذا المستوى من التخلف الحضاري في فرضيات يمكن أن تتيح لها فهماً أفضل وأكثر شمولاً للمسألة.
وكنقطة بداية محورية للمسألة برمتها وحتى يستقيم الطرح يتوجب علينا الابتداء بالتساؤل الأساسي التالي:
أو ليس مفهومنا التقليدي عن "الأمة الإسلامية" مفهوماً عتيقاً توارثناه من عهود غابرة ولم يعد متماشياً مع الواقع الحالي لها؟! حيث أن ذاك المفهوم بصيغته التقليدية تلك وبالبعد الرومانسي الحالم الذي ينظر إليه البعض لم يعد قائماً على أرض الواقع منذ أفول شمس الخلافة العثمانية منذ ما يقارب قرناً من الزمن والتي كانت آخر إمبراطورية جمعت ووحدت المسلمين في كيان واحد بسطت فيه حكمها على الجزء الأعظم من العالم الإسلامي، كما امتد نفوذها إلى الأجزاء المتبقية منه، ليتقاسم المستعمر بعد سقوطها تركة تلك الإمبراطورية بخطط استعمارية كامن في -اتفاقية سايكس بيكو- والذي تماهى معها البعض في المنطقة العربية لتظهر هذه الدول والأقطار في الجزء الأساسي والأصيل من العالم الإسلامي.
لقد قيل الكثير حول مفهوم الأمة الإسلامية وألف في ذلك العديد من المؤلفات، لكنه لم يزل ثمة خلط لدى الكثيرين حول ذلك المفهوم، ففي ظل ما نراه من عداء وتناحر بين أبناء الأمة وطوائفها يغذيه جهل وتخلف وغياب لثقافة الحوار وتقبل الآخر، وفي الوقت الذي نرى فيه خذلان المسلمين لبعضهم في الصومال وغزة المحاصرة التي كانت ومازالت قبلة للمتضامنين من أوروبا ومن الأمريكيين، وحين كانت الملايين تخرج في العواصم الأوروبية رافضة للرغبة الأمريكية في احتلال العراق بينما صمتت غالبية عواصم العالم الإسلامي ولم تنبس بينت شفه، ففي ظل هذا الخذلان وغياب أي عمل إسلامي مشترك حقيقي نرى البعض ينادي مستعجلاً بقيام الخلافة الإسلامية!!
ونظراً لكل ذلك كان الأولى والأجدر بنا التركيز على البعد الأشمل والأكثر واقعية لمفهوم الأمة الإسلامية والمتمثل في الرسالة المحورية التي تحمل قيم الرحمة والنور والخير للبشرية جمعاء، وحتى يتسنى لنا أداء تلك الرسالة الحضارية النبيلة علينا أن نتوقف ونتأمل كثيراً قبل كل شيء في التوجيهات النبوية الشريفة حول ماهية العلاقة بين أبناء الأمة والتي تدعونا إلى التراحم والتكاتف ونبذ الفرقة والشقاق قال عليه الصلاة والسلام "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
كما قال عليه أفضل الصلاة والسلام "المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله ولا يظلمه" وقوله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"... إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة التي تتضمن التعليمات والتوجيهات التي ترسم الإطار العام للعلاقة بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة.
ولو نظرنا إلى مدى التزامنا وامتثالنا بهذه القيم والمثل التي تشكل حجر الأساس واللبنة الأولى لبناء الأمة الواحدة المتماسكة والفاعلة فيمكن القول بكل تجرد وموضوعية أننا لم نحقق من كل هذه المعاني شيئاً ملموساً يمكن ذكره، بل على العكس من ذلك تماماً فلا يجد بعض المسلمين حرجاً من استباحة دماء بعضهم لمجرد الاختلاف في الجزئيات والتفاصيل التي لا تعدوا غير أموراً سطحية تافهة لا تستحق أن تراق لها من دماء المسلمين قطرة واحدة أو أن يكفر البعض منا في سبيلها البعض الآخر.
ومع كل هذه الفرقة والكراهية والعصبية الجاهلية، إضافة إلى ما تعانيه المجتمعات الإسلامية من جهل وغياب تام للعلم والثقافة والمعرفة مع أن أول آية في قراننا الكريم هي اقرأ.. إلا أننا أمة لا تحب القراءة، اللهم إلا كتب تفسير الأحلام أو قصص المسيح الدجال، ومع هذه الغيبوبة الفكرية المزمنة نرى البعض لا يكل ولا يمل من المناداة إلى الإسراع بقيام "الخلافة الإسلامية" وقد أبدا بعضهم كثيراً من الجدية في ذلك انطلاقاً من معتقد راسخ لديهم يؤمن بعدم إمكانية نهوض الأمة وانعتاقها من التبعية إلا بانتهاج ذلك النهج، فرأينا كيف أعلنوا قيام إمارة إسلامية هنا وأخرى هناك لم تتمكن من الاستمرارية والبقاء لأنها لم تعدوا كونها هرولة وهروباً إلى الأمام، ليعلن البعض من أصحاب تلك الرؤية بعد ذلك قيامهم بمراجعات فكرية لذلك النهج ولتلك الرؤية برمتها.
و..بعيداً عن الجدليات التي تدور حول مفهوم الأمة والنظريات المتعلقة به يمكن لنا القول:
أنه إذا أردنا كمسلمين حقاً الارتقاء بالأمة إلى مستوى الإسلام كدين ورسالة من المولى سبحانه على نبيه المصطفى إلى البشرية جمعاء في كل زمان ومكان، وإن ابتغينا كمسلمين بناء أمة إسلامية قوية وفاعلة حضارياً فعلينا الأخذ بأسباب ذلك والبداية فيها البداية الصحيحة، والتي هي حسب اعتقادي البسيط تكمن في النهوض بوعي الأمة أفراداً ومجتمعات إلى مستوى الإدراك الحقيقي بأن الإسلام هو دين العلم والمعرفة فالعمل والإتقان فيه قدر الاستطاعة.
وهذا الإدراك هو ما سيقودنا إلى معرفة ديننا الحنيف المعرفة الصحيحة التي لا نختزل معها الإسلام في الجلاليب القصيرة واللحية الطويلة، وأداء الفروض والعبادات مفرغة من مضامينها.
وسيتسنى لنا بذلك العلم والثقافة والمعرفة الخروج من دائرة التخبط بين التقوقع في الماضي أو الذوبان والانسلاخ مع متغيرات الحاضر.
وبالأخذ بتلك الأسباب سيمكن لنا تحقيق صحوة إسلامية، أو بالأصح صحوة للأمة الإسلامية تصبح معها حقيقة خير أمة أخرجت للناس.
وبعد كل هذا الطرح والشرح والاستفاضة... تبقى أن نقول أنه في ظل ما تعيشه الأمة من كبوة وانتكاسة وتخلف عن ركب الحضارة.. وكي لا نبدو مع واقع كهذا كمن يتعجل قطف ثمار شجرة لم نحسن غراسها بتساؤلنا: متى تنهض الأمة؟؟ كان الأحرى بنا التساؤل.. كيف للأمة أن تنهض؟!!
محمد إبراهيم حجازي