حينما يذكر مصطلح "التخطيط" فالمقصود به بشكل عام: ترتيب وتنظيم الرؤى والأفكار تجاه مسألة ما.. بغية وضع الترتيبات والإستراتيجيات والسبل الممكن انتهاجها لتحقيق الأهداف والغايات التي وضعت من أجلها تلك الإستراتيجيات والخطط.
فأي دولة.. لا يمكن لها تحقيق الأهداف التي تضعها في شتى المجالات.. تلبية لرغبات وحاجات شعبها وتطلعاته، إلا من خلال رسم الخطط من قبل الجهات المعنية بالأمر في تلك الدولة.
وبناء على هذا.. فإن "التخطيط" هو السبيل الأمثل لتحقيق الأهداف والغايات أياً كانت.
ومن هذا المنطلق أيضاً، فــ "التخطيط العائلي" بكل جوانبه وأوجهه المتعددة يلعب دوراً هاماً ومحورياً- لا يمكن إغفاله - في تمكين العوائل والأسر من التغلب على المشاكل التي تواجهها، والعقبات والصعوبات التي تعترض طريقها لتحقيق أهدافها وأحلامها وتطلعاتها المستقبلية المنشودة.
فمما لاشك فيه... أن لكل أسرة في أي مجتمع كان، أولوياتها التي تضعها نصب أعينها سواءً أكان في محاولتها التغلب على مشاكل ما تواجهها، أو حتى لإنجاز استحقاقات ومتطلبات مستقبلية يتمثل جلها في التنشئة الصالحة للأبناء، وتوفير قدر من المستوى المعيشي الملائم، من تغذية جيدة وسكن لائق وتعليم ورعاية صحية.. لكن ذلك كله متوقف نسبياً على مدى اعتماد تلك الأسرة على التخطيط لكل تلك الأمور من عدمه، وحتى يتأتى لها ذلك فإنه ينبغي عليها تهيئة الأجواء والبيئة المناسبة لممارسة التخطيط.. من احترام متبادل بين الزوجين، واعتماد نهج الحوار والتفاهم لحلحلة المشاكل الأسرية المستجدة فضلاً عن التعاون في تربية الأبناء وتبادل الأدوار في ذلك الشأن بشكل تكاملي يكفل سد أي ثغرة ممكنة.وكما أشرنا إليه سابقاً فإن للتخطيط العائلي أوجها وجوانب عدة سنكتفي فيما تبقى من الأسطر بالتطرق بشكل مختصر إلى جانب واحد من تلك الجوانب نظراً لأهميته القصوى، وارتباطه وتداخله مع بقية الجوانب الأخرى.
أما الجانب الذي سنعطيه الأولوية هنا: يتمثل فيما يتعارف عليه اصطلاحاً بــ "تنظيم النسل" وهي عملية يحاول فيها الزوجان بالاتفاق بينهما التحكم نسبياً بعملية الخلفة والإنجاب، وذلك من حيث العدد، والفارق الزمني بين كل طفل وآخر يليه بما يتوافق مع مسألة الصحة الإنجابية، والمستوى المعيشي والقدرة المادية للأسرة فحتى يتاح للأم أولاً.. قضاء فترة من النقاهة تستعيد فيها قواها وصحتها بشكل عام بعد فترة مرهقة من الحمل والإنجاب والرضاعة التي تستنزف قواها الجسدية والذهنية..
وكي يتسنى لكل طفل الحصول على القدر الكافي من رعاية الأم له بالرضاعة الطبيعية التي تكفل له التغذية المناسبة في مراحل النمو المبكر له، وما تشكله عملية الرضاعة الطبيعية من إشباع حاجات الطفل العاطفية، فضلاً عن تمكن الوالدين من تربية أبنائهم بشكل سليم في المراحل العمرية الأولى لهم وتوفير المتطلبات المادية لهم في المراحل الأخرى، فإن ذلك يتطلب من الزوجين بالاتفاق والتنسيق بينهما، أن يضمنا فارقاً زمنياً بين كل طفل وآخر لا يقل عن الأربعة والخمسة أعوام، وذلك في النهاية يخفف عليهم الضغط ويعينهم على أداء التزاماتهم الأسرية بشكل عام.
وفي كل الأحوال فإن التخطيط العائلي قبل كل شيء سلوك أسري وثقافة يمكن لكل أسرة اكتسابها وممارستها.
محمد إبراهيم حجازي