نحن في قرية أيشعا التاريخية ، توقفت سيارة كانت تقلنا نحو دريدوا الحبيبة ليقضي كل مسافر حاجته من استراحة وأكل وشرب ... الخ .
نزل بعض الركاب بينما فضل الآخرون البقاء فيها وعندما كاد مسافر أن ينهي قضاء حاجته فإذا سيارة أخرى تطوي الأرض وتسابق الريح تأتي من الجهة الأمامية .
نحن ــ أنا وبعض الأشخاص الآخرين ــ في وسط الشارع متجهين نحو سيارتنا، فلما رأينا أن هناك سيارة قادمة بجنون، جرينا بكل ما أوتينا من قوة لنصل إلي الطريق الآخر بسلام .
فعندما تأكدنا من أننا ركبنا سيارتنا ، سمعنا ضجة شديدة وأصوات تقول : صدمت السيارة رجلاً ....
أجل دعست رجلاً كهلاً كان يجلس في المقعد الذي يلينا وكان أباً لفتاة صماء في عقدها الثاني أو الثالث من العمر أبقاها في السيارة، وذهب وحده ليأتي لها بطعام تقتات به، وكانت جالسة قرب النافذة.
قلما رأت السيارة القادمة صاحت على أبيها لتبعث إليه رسالة إنذار وتقول له: يا أبتاه احترس من السيارة.
لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن !
أجل دعست السيارة رجلاً، ومن العجيب في الأمر، كنت أرى هذا الرجل يمشي ورائي أرد أن يعبر الشارع ، ولما انتصف بها أفلتت منه فردة من حدائه ، فرجع ليأخذها لكن ــ قدر الله ما شاء فعل ـ دعسته وأخذته في جوفها أمتاراً ، قصعدت روحة قبل أن ترمي عن جوفها .
كانت الفتاة أول إنسانة وقفت فوق جثة أبيها الهامدة رغم أن هناك أفراد آخرين أقرب منها في مسافة الحادثة ، فبدأت تبكي بكاءاً حاراً ـ تصور كيف يبكي من فقد عزيزة وتولول وتلطم خدها وتشق فستانها ، وبدأت تمسك برأس أبيها لكأنها تقول له : ممن تتركني في أرض أنا غريبة عنها ))
وحاولت مراراً أن تنزع ملابسها وتبقى كما ولدت أمها لولا أن الناس من حولها أمنعوها وأجلسوها وطمأنوا خاطرها .
ثم جاءت النيابة لتجري تحقيقات حول هذه الحادثة المؤلمة فتورطت في كمين لم يكن في حسبانها ، إذ أن الفقيد ـ تغمد الله فسيح جنانه ـ خلف فتاة صماء فحيرت عليها القضية حيناً ، حتى وجدوا في جيب قميص الفقيد ورقة مكتوبة برقم تليفون من أهاليه في دردوة .
فكفنوه وأخذوه مع الفتاة إلي درودة بسيارة .
وقبل أن تذهب الفتاة تبرع كل من في سايرتنا بفلوس على حسب القدرة الفردية .
حدثت تلك الحادثة المؤلمة جداً ما رأيت مثيلها في حياتي ، والتي أذهلتني كثيراً ......
سمتر محمد جبريل