إن يومنا الوطني للاستقلال أريد له أن يكون سبباً لتوطيد ثقافة السلام في نفوسنا .. يقول ربنا سبحانه وتعالى : ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليم خبيرٌ ) هذه الآية الكريمةُ أصلٌ في باب التعارف والسلام الإنسانيِّ عموماً، وأنى يكون تعارف بدون سلام ! والأصل الآخر جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم . وحين تنظر إلى مسألة نشر ثقافة السلام تجد أمامك عجبا فللولوج إليها قبلا .. وأولا .. ومبتدءا.. يجب فتح بوابة سلامةِ الصدرِ ، وكيف أنزلها الإسلامُ منزلة عظيمة قد يتعجّبُ منها البعضُ، ولا وجه للعجبِ فمن تذكر أنها بوابةٌ للعلاقةِ الطبيعية الإيجابية بين الناس أدرك لماذا كانت لها كل هذه المكانة. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على سلامة قلبه فكان يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ [ النسائي ، عن شداد بن أوس ] وكان يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن مسعود ( لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ )[ أبو داود ، الأدب ] وكان صلى الله عليه وسلم لا يكاد يغضبُ لشيءٍ غضبَهُ لما يدبُّ بين أصحابِهِ مما يوغرُ صدورهم، ولذلك حين تواثب المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم - بعد دسيسة شاس بن قيس - وتواعدوا الحرةَ خرج صلى الله عليه وسلم مغضبا يعرف الغضب في وجهه حتى جاءهم فقال : الله الله يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية و أنا بين أظهركم ؟ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض فبكى القوم و اصطلحوا ! غضبةٌ نبويةٌ هائلةٌ، وقلقٌ وفزعٌ، لم نجد مثله ولا بعضه يوم أحاطَ المشركون بالمدينة وأطبقوا عليها .. بل رأيناه صلى الله عليه وسلم يومها يخرجُ مبتسماً يضربُ الصخرةَ ويبشِّرُ بفتح الآفاق ! أليس عجيبا أن يخرج الرسول راضيا متبسما يوم الخندق رغم شدة الموقف و صعوبته ، ويغضب كل هذا الغضب لمجرد تواثب بين حيين من المسلمين بل يصف ذلك بأنه كفر ؟ إنه الدرس النبوي البليغ : إذا كانت القلوب سليمة ، و الصف واحدا فليعصف الباطل و ليجلب الكفر بخيله ورجله فإن البناء متين ، أما إذا اختلفت القلوب وذهب صفاؤها فهذا نذير شؤم وبلاء .. ويجب حينئذ الوقوف بحزم أمام هذا الداء . فما أحوجنا إلى نشر ثقافة السلام والعيش في ظلالها وقطف ثمراتها عبر ضفاف عقيدتنا وواحة تراثنا .
شاذلي الحنكي