لقد أهل شهر رمضان المبارك.. وما أن يهل هذا الشهر الكريم حتى تزدحم الأسواق بالمواطنين وكأن رمضان قد جاء فجأة كما (الخريف) الذى يأتى كذلك، عندما تشاهد الناس في الأسواق تعتقد للوهلة الأولى أن حرباً وشيكة سوف تندلع وأنهم يشترون كل هذه الأطنان من مختلف المواد الغذائية لتخزينها كتموين للتزود به أثناء فترة الحرب، وبناء على نظرية العرض والطلب يجدها التجار الشطار فرصة لرفع الأسعار (التي هي أصلاً فى السماء) وتنظيف جيوب المواطنين.
يبدأ شهر رمضان ومن أول يوم تتحول الأفواه إلى (مسدسات سريعة الطلقات) فما أن تتحدث مع أحدهم إلا ويرشك بمجموعة) من ألألفاظ التى لا تخطر على بالك،ولو قدر لك أن تتأخر فى العمل وتتجه نحو منزلك قبل آذان المغرب بقليل تري الشوارع تنقلب إلى رالى سباق لا يستطيع بطل الراليات شوماخر أن ينافس فيه.
أما بالنسبة للأكل والسفسفة فشهر رمضان يمسك فيه معظم الصائمين عن شهوة البطن قبل الفطور (فقط) أما أثناءه وبعده فتمتلئ أمعاؤهم حتى التخمة بأصناف من المأكولات الشهية والعصائر النقية والفواكه البهية والحلويات اللذيذة ثم الشاي والقهوة لزوم الهضم وتنشيط الكبد والغدد على إفراز عصارات لهضم هذه الكتل من الجمادات والسوائل والغازات غير المتجانسة والتي تترك أرتالاً من بقاياها على الموائد لترمى بعد ذلك فى أكياس (النفايات) بينما هنالك من يبحثون عن لقمة خبز يسدون بها رمقهم!
أما التلفزيون والقنوات الفضائية فشأنها عظيم وحضورها مبين فلكل قناة فضائية او (أرضية) جمهور متفرغ، جاحظ العينين ومسمر أمام الشاشة على مدار اليوم حيث يتم الإعداد للمسلسلات والبرامج الرمضانية منذ وقت مبكر وكأن هذا الشهر الفضيل شهر تسلية، (وتضيع الوقت ) وهاك يا إسكيتشات، ويا كاميرا خفية، وبرامج سطحية لا تعالج أى قضايا تمس جوهر وكيان وواقع الإنسان المسلم، ومسلسلات تطالعك أناء الليل وأطراف النهار وما بينهما حتى بات المشاهد يحتاج إلى ذاكرة إضافية لكى يستوعب ويتتبع أحداث كل هذا العدد المهول من المسلسلات التى تبثها هذه القنوات مسلسلات مصرية خليجية ويبدو أن التركية أيضا بدأت تدخل علي الخط وتدلي بدلوها في برنامج صلي صيامك لتحل محل المسلسلات السورية التي غيبتها الأحداث
أما (دولاب العمل) فيتم قفله بالمفتاح) وتتحول المكاتب في بعض الأحيان إلى عنابر نوم يتسابق فيها الجميع على كسر الرقم القياسى (لموسوعة جينيس) وهم (يشخرون) تحت برودة أجهزة التكييف المركزية واللا مركزية ومنهم من يجري إلي المساجد ليمارس فيها عبادة النوم عوضا عن الذكر والقيام (النوم عبادة ) حتى إذا إستيقظوا قبل صلاة المغرب بقليل وأذن آذان المغرب أفطروا قائلين : اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت لماذا كل هذا؟
نعم لم يعد (رمضان) ذلك الشهر الذي نعرفه، الذي كان يتميز بالروحانية والتقرب إلى الله تعالى والهدوء والسماحة وتطهير النفس من الذنوب والإبتعاد عن الانغماس في الملذات، ذلك الشهر الذى (تربط) فيه شياطين الجن و(تخجل) فيه شياطن الأنفس! وكلو كوم وبرامج (المسابقات) كوم تااانى ..فإذا بها تتدفق وكأنها كانت تدخر لهذا اليوم العصيب وكأن هناك صلة قرابة ونصب وإن شأت قل أن هذه المسابقات توأم لهذا الشهر الفضيل !
للأسف الشديد أصبح شهر رمضان شهراً لمتابعة المسلسلات واللهو والترفيه والتبضع والتسوق والولائم وكثرة النوم، شهراً يعمل فيه (شياطين الأنس) كبدل فاقد (لشياطين الجن.
هذا المقال ينشر فى هذا التوقيت (أملاً) فى تدارك هذه السلوكيات والمظاهر السالبة المصاحبة لهذا الشهر الفضيل .
جمال أحمد ديني