إن مما يثير العجب والإشمئزاز ان نرى رسولنا العظيم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وقد نال على مرِّ القرون شهادة المُبغض قبل الحبيب والمُكَذِّب قبل المُصَدِّق والصَّديق، ونرى أنه ترك من الآثار المحمودة الخالدة ما تهتز لها أركان الجبال ومن المناقب الفريدة الرائدة ما يعجز عن وصفها أهل البلاغة والفكر والأدب، ويصفه ربُّه وخالقه في قرآنه المجيد بقوله (وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ثمّ تأتي لنا سيرته العطرة لتفسِّر هذا المعنى وتُأكِّد عليه ونراه فيها بالفعل هو أكرم الناس وأحسنهم عملاً وفكراً وأخلاقاً, ثمّ وبعد أكثر من ألف وأربعمائة عاماً من انتقاله إلى الرَّفيق الأعلى إذا بنا فجأة وعلى غير المتوقع يأتون أُناس لنا بعدما سوّلت لهم أنفسهم أمراً وقد أصابهم سرطان الحقد والشَّطط ولعبت برؤوسهم الشَّياطين فضحكت عليهم ومالت بهم أهواؤهم وأحقادهم ميلاً عظيماً فسقطوا ومازالوا هم يسقطون، فقد جاء هؤلاء ليسيئوا بعمدٍ ومع سبق الإصرار إلى هذا النَّبي الخاتم وأخَر الأنبياء والرُّسل عليهم الصَّلاة والسَّلام أجمعين..
إن الَّذي يقرأ التَّاريخ محايداً ومنصفاً ولم يُؤمن برسول الله أرى أنّ أقلّ مقامٍ يقف به صوب رمز الإسلام والمسلمين سيدنا رسول الله هو مقام الاحترام والتَّوقير لا مقام السَّب والقذف الَّذي لا يُهين في النِّهاية إلّا صاحبه.. ورغم أن حالة العاصفة الهوجاء التي عمت كل أصقاع العالم الإسلامي مسألة طبيعية لما يمثله خير البرية في نفوسنا وهو من صميم عقيدتنا السمحة "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى اكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين "رواه البخاري الا أن القتل والتخريب وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة ليست من اخلاق الإسلام اللاتي علمنا رسولنا الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام..
إن هذا الفيلم المسئ لنبينا الأعظم عليه الصلاة والسلام يعبر عن مدى حقد اصحاب هذا الفيلم، وكما يعلم أغلبنا أن هذه الهجمة الشرسة هدفها خلق الفتنة الطائفية من جهة وإظهار المسلمين كإرهابيين وخاصة ان توقيت الفيلم الدنيء "براءة المسلمين" يجعلنا نقف وقفة تأمل لنزن الامور بميزان العقل بعيدين عن الغضب الأهوج والتصرف الأخرق لأن هذا الفيلم ليس الاول ولن يكون الاخير فقد سبقته أحداث حرق المصحف الكريم والرسوم الكاريكاتيرية و لم نتعلم الدرس بعد كما يبدو، فالغضب الجماهيري أو الشجب والتنديد لن يوقف الصهاينة ولن تطفأ نار الفتنة، كما أن قتل السفير الأمريكي أو عمليات التخريب لن يدخلنا سوى في أتون الفتنة الطائفية والإساءة للإسلام.
ماالذي يمنع القيام بمظاهرات حضارية وسلمية وبضغط شعبي رهيب على الحكومات، والسفارات والمنظمات الدولية بدون تكسير ،أوقتل او دخول السفارات حتى تحقيق الأهداف وهي المطالبة بمحاكمة عاجلة لمن شارك في الفيلم المشبوه،والمطالبة بالتجريم القانوني لكل من يمس مقدساتنا وينتهك حرماتنا على غرار قانون معاداة السامية الذي يجرم كل من ينكر المحرقة الصهيونية بدل ان ندفع ثمن أفعال البعض المتهورة والتي تخدم قضايا الصهاينة ولا تخدم قضايانا في شيء بل تؤدي إلى خسارة التعاطف العالمي مع قضايانا من ناحية وتكرس الأهداف التي سعى صاحب الفيلم الدنيء الى تحقيقها من ناحية أخرى..
وفي ختام هذه العجالة أرجو أن لا يخرجنا الغضب والحنق عن ضوابط العقل ومقاصد الشرع ونقع في فخ الخطاب المتشدد الذي يدغدغ مشاعرنا المهانة ويغذي نفوسنا المكسورة وننساق للتخريب وتدمير الممتلكات والتهجم على السفارات ونأخذ البريء بجريرة المسيء..
فيصل مختار