قم للمعلم وفّه التبجيل
كاد المعلم أن يكون رسولا

هكذا قال أمير الشعراء أحمد شوقي سابقاً وما زالت الأجيال تردّد هذا البيت جيلاً بعد جيل,وفي المناسبات المختلفة التي تحتفل بها المؤسسات التربوية والتعليمية لتكريم المعلم وإبراز دوره في المجتمع.فكما هو معلوم للجميع فإنّ الرسل والأنبياء جميعاً كان دورهم بناء المجتمع وإصلاحه أو بمعنى آخر صناعة البشرية الصالحة(الإنسان الصالح),وهي أفضل صناعة كما قالها الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله.ومن المعلوم فإنّ الأمم المتحضّرة المتقدّمة تولي المعلم الاهتمام الأكبر حيث تقوم بإعداده أكاديمياً حتى يقوم بما هو منوط به على أكمل وجه,وتكوّينه بشكل مستمر أثناء الخدمة,وتتيح له الفرص لمواصلة تكوينه الأكاديمي,وتتيح له أيضاً المكانة الاجتماعية والنفسية المناسبة(وضع المعلم في اليابان شاهد على ذلك,حيث يأتي دوره بعد الإمبراطور مباشرة,ويتقدّم على المهن الأخرى جميعاً),وتلجأ إلى إصلاح المؤسسات التربوية كلّما شعرت بتهديد ما أو تخلّفاً أو تريد تحقيق أهداف قومية فريدة ومثال الولايات المتّحدة الأمريكية واضح للعيان عندما سبقها الاتّحاد السوفيتي السابق في الصعود إلى القمر وحينها قال وزير التربية الأمريكي:نحن أمة في خطر وسارع إلي إصلاح المناهج والمؤسّسات التعليمية حتى لحقته وتفوّقت عليه فيما سمّي بحرب النّجوم.
ويعتبر المعلم عنصراً أساسياً ومهمّاً في العملية التعليمية حتّى وإن تغيّرت أدواره من مصدر للمعلومة,أو مرشداً لها,أو ربما إلى شيء آخر في المستقبل المنظور أو البعيد.والمعلم الجيد هو الذي يتميّز بخصائص وبصفات جيّدة تميّزه عن غيره.
* فالخصائص المعرفية الأكاديمية,والتمكّن من مادة التّخصص والإلمام بالعلوم التربوية والاجتماعية وعلوم الصحة النفسية,والتّوسّع في الاطّلاع على مصادر الثّقافة المتعدّدة,ومواكبة التّطوّر والعصر بمعرفة المجدّ والمستحدث فيه ضرورية (من الملاحظ في الساحة أنّ كثيراً من المعلّمين لا يقرؤون ولا يثقفون أنفسهم). إذ نعيش في عصر ثورة المعلومات والمعرفة,عصر تتغيّر فيه المسلّمات القديمة,وتتناقض فيه النّظريات,عصر تتطوّر فيه التكنولوجيا بشكل مذهل وسريع,عصر إيقاع الحياة السريع,وتداخل الثقافات,وتلاقي المعتقدات,وصدام الحضارات ,عصر العولمة.لذلك ينبغي أن يطوّر المعلّم قدراته ومهاراته الشخصية في التّعامل مع هذه التكنولوجيا,وأن يكتسب ويوظّف مهارات تدريسية تأخذ في الاعتبار خصوصية المادة المتعلمة والخصائص العمرية المرحلية والإمكانيات المادية والبيئية للمتعلّمين.مهارات تأخذ في الاعتبار أيضاً الفروق الفردية بين الدّارسين,ولذلك يقول الدكتور مجد عزيز إبراهيم مؤلّف كتاب موسوعة المناهج التربويي:"فإنّ الحصول على تعليم فعّال يستوجب تحقيق عملية الاتّصال الكفء بين جميع أطراف العملية التعليمية,ويمكن أن تكون الوسائل التعليمية وتكنولوجيا التعليم من العوامل المهمّة في زيادة فعّالية عملية الاتّصال."
ويتّجه العالم في الوقت الحاضر إلى أنماط تعلّمية واتّصالية غير تقليدية,وربّما تنعدم الحياة المدرسية والفصلية التقليدية في المستقبل,ويتمّ التواصل والاتّصال بين المعلّم والمتعلّم عبر وسائط ووسائل تكنولوجية حديثة دون الحاجة إلى التّجمّع في ساحات المدارس أو في قاعات الدّراسة حيث يبقى كل واحد في بيته أو في مكانه,ممّا يحتّم التّعامل مع التّغيّرات والتّطوّرات. ورغم هذه التحدّيات المستقبلية والآنية فإنّ أي معلّم يريد أن يصل إلى الإبداع ويكون متميّزاً عن غيره فلابدّ أن يتحلّى بتلك المهارات:
ـ المستوى المطلوب من المعرفة والتّمكن من المادة العلمية,والاطّلاع المستمرّ والإلمام بكل ما هو جديد في المادة.
ـ مهارات الاتّصال التربوي الفعّال.
ـ مهارات تحديد واختيار الأساليب التعليمية.
ـ مهارات الإدارة الصفية.
ـ مهارات التخطيط والإعداد والتنفيذ المرن.
ـ مهارات التقويم.
ـ مهارة استخدام وتفعيل الوسائل التعليمية والتقنيات.
* وهناك خصائص شخصية (الخصائص الموروثة والمكتسبة) ينبغي أن يتّصف بها المعلم الناجح المتميّز في مجاله كل الخصائص الإنسانية النبيلة ومنها:
ـ الاتّزان الانفعالي والصبر والحِلم لأنّ المعلّم يتعامل ويتفاعل مع حالات وشخصيات مختلفة التكوينات الشخصية,ومن بيئات وخلفيات مختلفة,ففي الفصل الواحد يجد المعلم الطالب المجد والكسلان,والذكي والغبي,والمؤدّب والمشاغب,والمسالم والعدواني,ومن الفئات العمرية المختلفة من الطفولة إلى المراهقة,وما أدراك ما المراهقة؟ فإنّها من أصعب مراحل حياة الشباب,ولذلك أفرد لها التربويون فصولاً وأبواباً وكتباً في بحوثهم.
ـ وأن يكون محبّاً لمهنته حبّاً يهيّئ أسباب النّجاح,وبثّ روح الاطمئنان في نفوس المتعلّمين,وأن يكون ودوداً ومتواضعاً ومتعاوناً مع زملائه وطلاّبه وإدارة المؤسسات التي يعمل فيها,وأن يحترم اللوائح المعمول بها,وأن يحافظ على مواعيد المدرسة حيث يتّصف بالتخطيط ودقّة التنفيذ ويكفيه فخراً قول النبي صلى الله عليه وسلم:إنّما بعثت معلّماً.ويجب أن يسعى المعلم دوماً في تحقيق الأهداف المرسومة للمؤسسة التي يعمل لها,والأهداف الموضوعة للمجتمع الذي يعيش فيه, كما ينبغي أن يراعي المعلّم أناقته ومطهره ونظافته وهندامه وذوقه في اختيار ملابسه حتى يكون مثالاً يحتذي به ومقبولاً.وتلعب شخصية المعلم القويّة دون اللجوء إلى العنف البدني أو اللفظي دوراً أساسياً في قيادة المتعلمين نحو التعلّم الجيد.ويجب أن يتّصف المعلّم أيضاً بالعدالة بين المتعلمين سواء في التّعامل كتوزيع الأدوار وإعطاء فرصة المشاركة والمناقشة وعند توزيع الدرجات في التقويمات المختلفة,وأن يراعي مصداقيته ومصداقية المؤسسة التي يعمل فيها. وبإجماع هذه الخصائص المختلفة(الأكاديمية والشخصية) يكون المعلم ناجحاً ومميّزاً في مجاله ويحقق الأهداف المرجوة منه,وتكون مخرجات النظام التربوي ذات جودة عالية.ممّا يدفع عجلة التّقدّم إلى الأمام,ولذلك فالآمال معلّقة على المعلّمين الكرام.
سليمان حسين موس