منذ ما يزيد على العشرين شهراً .. وأصوات الرصاص وطلقات المدافع لا يعلو فوق صوتها في المدن السورية وأريافها صوت آخر، غدت معه جثث القتلى وبقع الدماء وركام المباني المهدمة هنا وهناك السمة الأبرز لشوارع حمص وحلب ودمشق القديمة وإدلب...
فعداد الموت هناك يجري بتسارع دراماتيكي مخيف في سباق مع الزمن تحولت معه أعداد القتلى والجرحى والنازحين مع كل يوم آخر يمر على السوريين إلى مجرد أرقام تحصى ومادة إعلامية روتينية تتناقلها المحطات الإخبارية صباح مساء..
بدأت بانو راما الدم في سوريا، بنقاط تظاهر هنا وهناك سرعان ما غطت الجغرافية السورية شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً بعد أن انخرط فيها الشباب بكل قوة – أسوة بنظرائهم من شباب دول الربيع العربي – ودافعهم الوحيد التطلع إلى غد أفضل، بعيدين عن أية حسابات سياسية أو دوافع أيديولوجية، دون أن يعملوا لما يمكن أن تؤول إليه الأمور لاحقاً.. من مشهد ثوري متعثر أمام نظام قوي متعنت ومتصلب في مواقفه بعد أن خرجت الانتفاضة الشعبية من طورها السلمي لتتحول إلى صراع مسلح دام وغير متكافئ يفتقر طرفيه إلى القدرة على الحسم.. إلى جانب معارضة منقسمة فشلت حتى الآن على الأقل في أن تشكل غطاءً سياسياً فاعلاً للحراك الشعبي الحاضر بقوة على الأرض، والعازم رغم الخسائر الكبيرة علي المضي في خياره قدماً.
فمعارضة الداخل التي لا تؤمن بالتغيير علي النحو المشابه لما جري في بلدان الربيع العربي ، لا تنفك تعلن منذ بدء الأزمة عن رفضها لأي تدخل عسكري أجنبي، كما لا تبدي ممانعة للجلوس على طاولة الحوار التي يدعو لها النظام دون شروط، على النقيض تماماً من المعارضة التي المقيمة في الخارج والتي تبدو حتى الآن الحلقة الأضعف في الصراع الدائر هناك، فهي ترفض الحوار مع النظام دون شروط، وعلى الرغم من نداءاتها المستمرة بضرورة التدخل الدولي لإنهاء الأزمة.. إلا أن ذلك التدخل لم يأت، بسبب موازين القوى الجديدة التي أفرزها الصراع الدائر في سورية بشكل كبير على الساحة السياسية الدولية تمكن معها النظام من حشد حلفائه الإقليميين والدوليين في خندقه على قاعدة سياسة المحاور التي عرفتها المنطقة في السنوات القليلة الماضية.. ليتحول الصراع الدائر هناك من صراع في سورية بين النظام وشعبه إلى صراع عليها بين اللاعبين الكبار في الساحة السياسة الدولية.
وفي ظل نزاع مسلح دموي لا يبدو فيه الحسم قريباً في الأفق، ومعارضة منقسمة ومنشغلة بتبادل الاتهامات فيما بينها من جهة، وغياب مواقف داعمة لأي مبادرة سياسية ترضي جميع الأطراف من قبل المجتمع الدولي الذي لم يعد يشغل بعض أطرافه من كل مجريات الأحداث تلك سوى "بقاء مخزون الأسلحة الكيميائية لدى النظام في مكان آمن"..
يمضي ذلك الصراع في طريقه يحصد الأرواح .. ليستمر عداده في دورانه الرهيب يعد الأرقام بالعشرات والمئات والآلاف!!
محمد إبراهيم حجازي