مما لا شك فيه ولا ريب أن الوقائع تؤيّد عودة الهوية بفضل الصحوةُ الإسلامية . ذلك أن عناصر الهوية الرئيسةَ : الدينُ واللغةُ ورابطةُ الولاء. وما من منصفٍ يستطيعُ أن يتجاهلَ دور الصحوةِ في العودةِ إلى الدين والحفاوةِ بِهِ وبأحكامِهِ وبعيداً عن أيديولوجيات الحركات أو الجماعات و رؤاها ، فالألوفُ المؤلفة التي صارت تملأ المساجدَ، وتشهد مجالس الذكر، والسّمتُ الإسلاميُّ الذي شاعَ، والإقبالُ المتزايد على حفظ القرآن وتفهّمِهِ، والعنايةُ بالعلم الشرعيِّ وعقد الدروس والمحاضرات المتنوّعة، والمنظّمات غير الحكومية المهتمة بالعمل الإسلامي ، والجمعيّاتُ المدنية الأهلية الخيرية التي حملتْ همّ الدعوة والإرشاد ، كلُّ هذه صورٌ مضيئةٌ أبرزتْها الصحوةُ. وكلها شواهدُ صدقٍ على ما شكّلتْهُ الصحوةُ من عودةٍ جماعيّةٍ للإسلام. وكما شكلت الصحوةُ عودةً للإسلام شكّلتْ كذلك عودةً للغةِ العربيّة، فمنذ متى كان المئاتُ يحتشدونَ لسماعِ أمسيّة شعريّة بلغة عربية فصيحة ! وكم انتشرتْ المدارس الأهلية العربيّة ؟ كل ذلك لم تعرفه البلادُ بهذا الانتشارِ إلا بعد أن مسّتها كهرباءُ الصحوةِ. وأما عنصر الهوية الثالث وهو (الولاء) لأهل الإسلام فقد ظهر جليّاً في احتفاءِ الصحوةِ بقضايا المسلمين في شرقِ الأرضِ وغربِها، وتضمّن خطابُها الفكريُّ والعاطفيُّ قدراً لا يستهانُ بِهِ من الشرح والإبانةِ والتعاطفِ مع هذه القضايا.. مظاهرات تضامنية كما رأينا مع { قضية فلسطين الأم ــ وغيرها من قضايا الأمة }. الصحوةُ إذنْ أحيتْ الشخصيّة الإسلاميّة التي كادتْ تغيبُ إبان الاستعمار الطويل ووسط رُكامِ الجهلِ من ناحيةٍ والاستغراب الثقافي من ناحيةٍ أخرى. كما أنّها قدّمتْ قوافلَ من التّائبين الراجعين من عوالم الضياع والإجرامِ، وجعلتِ الكثير ينتقلونَ من التمايل طرباً على أنغام الموسيقى الماجنة إلى البكاءِ خشوعاً في صفوف الصّلاةِ، ونقلت الكثيرين من عبث اللامبالاةِ إلى الفاعليّة . أما الإجابة عن التساؤل هل أسهمت الصحوةُ في إيجاد حالة من الاستقطاب في داخلها أو في وسط المجتمعات العربية والإسلامية ؟ والجوابُ هو ( نعم ). ذلك أنّ بعض فئات الصحوة ، وأؤكد على بعضها .. تظهر عجزها عن استيعابِ الرأي المخالف لجماعتها أو حركتها في مسائل يسع فيها الخلاف من جهة .. ومن جهة أخرى نجد أنّ هذا البعض لا يملك سعة في الرؤية فما أسهل عليه تفادي الآخر( ونكرانه ) إذا كان غير المنطوي تحت عباءة جماعته أو فئته.. ضيق الأفق هذه من مَنْ يتصدرون للعمل الإسلامي ، إنما هو في الواقع لا يزيد الموقف استقطابا بل ( احتقاناً ) أو قل ( تأزّماً ) هذه الصورة الأولى . وأمّا الصورة الثّانيةُ .. وبناءً على ما سبقَ فإنّ هناك شيئاً من التّهارج يُشب تصرّفاتَِ بعض فئات الصحوةِ، من أتباع هذا الفريق أو ذلك .. من قبيل مثلا أن هذا الداعية على الصواب أبدا .. أو هذا الشيخ أعلم من ذاك .. ليس ذلك لأن الحال كذلك .. بل لمجرد أن هذا الداعية أو العالم ضمن جماعته أو من نفس الفريق الذي ينتمي إليه .. حتى وإن تبين خطأه .. وأن هذا الفريق على ابتداع ، وفريقه هو على اتباع .. إلخ . حتى بعض المساجد لم تسلم لمثل هذا التهارش ، فالكل يريد أن يبسط سيطرته على الهامّة منها والمؤثرة .. إنّ مثل هذا التهارش يعقّد العمل المشترك المأمورون نحن به { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }.. أخيرا إني أريد للصحوة الإسلامية في جيبوتي أن تتحرر كثيراً من حالة الاستقطاب التي ظهرت عليها خاصة في السنوات الأخيرة. وأن تتواصل مع الآخرين، وأن يتسع صدرها، ولا ترضى بالارتهان لمدرسة واحدةٍ في الإسلام .. بل نرضى جميعا أن نرتهن للإسلام كله .
شاذلي الحنكي