لعل واحداً من أهم الأسلحة التي تمتلكها القوى المهيمنة في العلاقات الدولية، أو داخل المجتمعات، هو أدواتها الثقافية والإعلامية التي تمكنها من صناعة المصطلحات وصياغة التعاريف. فالمصطلحات والتعاريف ليست "مجرد كلام" كما قد يظن البعض، بل هي قوالب يُصَبُ داخلها الرأي العام، وهي على المدى البعيد إذا تركت تعمل دون خطابٍ بديل، ينشئ قطاعات شعبية وثقافية تفقد الهوية والانتماء وتتحول إلى قطاعات تابعة لمنظومة من القيم والمفاهيم التي تشكل ما يعرف باسم الوعي الزائف أي الوعي الذي يؤسس لطريقة في النظر إلى الواقع تتماشى مع الرؤية المهيمنة. فالمصطلحات إذن مفاتيح لنمط محدد من الوعي في وسائل الإعلام والثقافة السائدة يهدف إلى تبرير الأمر الواقع وخلق حالة من التكيف معه. خذ مصطلح " الشرق الأوسط" مثلاً…ففي القرن التاسع عشر، عندما كانت بريطانيا و فرنسا مشغولتين بالصراع على تقسيم العالم إلى دوائر نفوذ بينهما، أطلق في البداية تعبير " الشرق الأوسط " على المناطق التي توجد فيها الآن دول مثل إيران وباكستان و أفغانستان في أواسط قارة آسيا، أما الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، أي الجزيرة العربية والشام ، فقد أطلق عليه لقب " الشرق الأدنى". أما تعبير الشرق الأقصى فقد ترك لتلك البلدان في القارة الآسيوية التي تبعد أكثر عن أوروبا مثل الصين والهند ، أوسط…أدنى…أقصى كلها تعبيرات عن علاقة إذن، بالنسبة لنقطة مرجعية، هي في هذه الحالة المركز الأوروبي الغربي الذي يرى العالم من منظاره هو فقط ! وبعد الحرب العالمية الأولى، اتسع مفهوم "الشرق الأوسط" ليضم بالإضافة إلى معناه السابق، مناطق النفوذ البريطاني أولاً ، ثم الفرنسي ، وبذلك اختفى مصطلح" الشرق الأدنى" في أواسط القرن العشرين، وحل محله " الشرق الأوسط " الموسع . ومازال مصطلح " الشرق الأوسط" إلى اليوم، مفهوما استعمارياً أي أنه ينظر إلى بلادنا العربية والإسلامية كأسواق ٍ وموارد ومواقع إستراتيجية، كما تراها عيون الغزاة الأجانب أبدا .. الصهاينة يجيدون لعب هذه اللعبة. فقد نجحوا بجعل مصطلح " إرهابي" مرافقا لصورة الفلسطيني والعربي والمسلم في الإعلام الغربي ( قبل أي أحداث وقعت .. !)، لأن الأيدلوجية الصهيونية تعمل على رأي المثل الشعبي السائد " ضربني وبكى وسبقني واشتكى " وهي النظرية التي تبرر بها الدولة اليهودية ـ دوما وأبدا ـ إرهابها وسفك دماء الأبرياء من الفلسطينيين والعرب تحت ما تسميه : " الدفاع عن النفس" وكانت البعثة الفلسطينية في الجامعة العربية قد تقدمت بورقة في صيف عام 1997 تطلب فيها من وسائل الإعلام العربية أن تتبنى مصطلحات معينة تؤكد الحقوق العربية وتقاوم الهيمنة الصهيونية في الإعلام العالمي، عوضا عن تبني مصطلحاتها، ومن الاقتراحات المقدمة في تلك الورقة ما يلي:
استخدام تعبيري "مستعمرات" و"مستعمرين" عوضاً عن " مستوطنات " و"مستوطنين"، لأن الاستيطان يوحي بسكن أراضٍ خالية من السكان، بينما الاستعمار يقوم على فكرة الاحتلال بالقوة وطرد السكان الأصليين، هذا مع العلم أن مصطلح "استعمار" نفسه يحمل لفظياً شحنة إيجابية لأنه مشتقٌ من فكرة التعمير والبناء، ولكن استخدام مصطلح "مستعمرة" يظل أنسب بالتأكيد من مصطلح"مستوطنة"، لأن كلمة استعمار عادت واكتسبت معناها الحقيقي بفضل نضال شعوب العالم الثالث ضد القهر والاستبداد ـ استخدام مصطلح " قوات الاحتلال الصهيونية" أو "رئيس حكومة الاحتلال" عوضاً عن استخدام" الجيش الإسرائيلي" أو " القوات الإسرائيلية" ـ ضرورة استخدام " أعمال المقاومة ضد الاحتلال" عوضاً عن " أعمال العنف" و" الصواريخ التخريبية " الرائجة في وسائل الإعلام لأن " أعمال العنف" و" الصواريخ التخريبية " لا مشروعية لها. ـ ضرورة إضافة تعبير " المحتلة " كلما ذكرت القدس، أو أي جزء من فلسطين . ـ أهمية استخدام " الصراع العربي- الصهيوني" . بدل من " النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي"... ولا بد من التنويه هنا بشكل خاص لخطورة استخدام الأسماء العبرية بدل استخدام أسماء المدن والقرى والأماكن العربية المحتلة، خاصة في التقارير المترجمة عن وكالات الأنباء الأجنبية. مثلا : - "حاجز إيريز" بدل معبر بيت حانون. -"حائط المبكى" بدل حائط البراق، وهو الجزء الجنوبي الغربي من الأقصى. -" نتانيا " بدل قرية أم خالد، و" إيلات " بدل أم الرشراش، و" أشكيلون " بدل عسقلان، و" تل أبيب " بدل تل الربيع . وهي بالمناسبة " تعبيرات توراتية " يكثر التذكير بها في التقارير المترجمة.
شاذلي الحنكي