تشهد جيبوتي خلال هذا الأسبوع فعاليات وأنشطة تضامنية مختلفة تنظمها أمانة الدولة المكلفة بالتضامن الوطني، تستمر حتى بعد غد السبت الـ12 من يناير الجاري.
وتهدف هذه الفعاليات إلى إرساء قيم وثقافة التعاون والتعاضد والتكافل المجتمعي بين المواطنين، وبالأخص في هذا الوقت الذي ازدادت فيه حاجتهم إلى المحافظة على هذه القيم والتمسك بها أكثر من أي وقت مضى، نظرا للظروف المعيشية بالغة الصعوبة، حيث ارتفعت تكاليف الحياة اليومية إلى أعلى مستوى لها منذ عقود من الزمن، يصاحبها تعقيد أخر طرأ على العلاقات الإنسانية. ناهيك عن قلة المنظمات أو الهيئات التي تعمل في مجال التضامن بفاعلية إلا ما ندر.
وعلى الرغم من أن الشعب الجيبوتي ظل منذ عقود من الزمن صامدا في وجه التحديات، يسطر في صحائف التاريخ أروع الأمثال في التضامن مع البؤساء وتقديم الدعم الإنساني إلى المحتاجين وإغاثة الملهوفين وغير ذلك من شتى صور التضامن، إلا أن الأحوال لم تعد كما كانت في غابر الأزمان والرياح لا تجري دوما كما تشتهي السفن.
وليس معنى ذلك أن مجتمعنا قد تخلى نهائيا عن هذه القيم والمبادئ السامية التي تقوم على التآزر والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة، لكن الأوضاع المعيشية المتقلبة والأزمات الاقتصادية المتكررة والتأثر بالتحولات التي فرضتها المدنية الحديثة ونجم عن المشكلات الاقتصادية انهيار الطبقة الوسطى من المجتمع التي كانت تضم أكبر عدد من أفراده،
مفهوم التضامن:
ولا بد من الإشارة إلى أن التضامن لا يقتصر على توزيع كميات من المواد الغذائية على الأسر الفقيرة بين الفينة والأخرى كحدوث الكوارث الطبيعية من قبيل الجفاف أو القحط أو الزلازل أو العواصف الهوجاء التي تقضي على الحجر والبشر... ، لكنه مفهوم أوسع وأشمل من ذلك بكثير، فهو يشمل قطاعات عديدة من بينها التعليم والصحة والمياه والإغاثة العاجلة ومساعدة الأيتام وتنفيذ المشاريع الموسمية وصولا إلى إقامة دورات تأهيلية للشباب العاطلين لتمكينهم من الانخراط في سوق العمل والاندماج في المجتمع، فضلا عن نصرة المظلومين والوقوف إلى جانب المنكوبين ..
فالتضامن إذا قيمة أخلاقية وشعور وواجب إنساني نبيل، وهو رباط بين الأفراد والمجموعات، ويقال أيضا :إن التضامن قيمة إنسانية تسمو بالمرء فوق فرديته وخصوصيته الاقتصادية والاجتماعية والعرقية والدينية .. وتنفتح به على الأفق الإنساني الرحب، ولا ننسى أن ديننا الإسلامي الحنيف قد حث عليه منذ قرون طويلة من خلال الزكاة والبر والإحسان وأوجه التعاون المشروعة .
تطبيق فعلي:
وفي كلمتها في إطلاق فعاليات الأسبوع الوطني للتضامن دعت وزيرة الدولة للتضامن السيدة / زهراء يوسف قياد، إلى تطبيق فعلي يتمثل في ترجمة مفهوم التضامن من خلال ممارسته عمليا على أرض الواقع، بتقديم المساعدة اللازمة إلى الشرائح البسيطة في المجتمع والمساهمة بفاعلية في جهود محاربة الفقر والعوز. لافتة في الوقت عينيه إلى أهمية المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية التي أطلقها رئيس الجمهورية السيد/ إسماعيل عمر جيله مطلع العام 2007 في إطار مساعي الحكومة الهادفة إلى تقليص الفقر، وقد انبثقت منها الوكالة الجيبوتية للتنمية الاجتماعية، التي تتبنى العديد من البرامج والمشاريع التنموية التي تستهدف الفقراء وذوي الدخل المحدود في كافة التراب الوطني، مما انعكس إيجابا على حياة آلاف الأسر الأكثر احتياجا.
في المقابل أكد وزير الإعلام والثقافة المكلف بالبريد والاتصالات الناطق الرسمي باسم الحكومة السيد/ عبدي حسين أحمد على أهمية تعزيز التضامن الوطني باعتباره من أهم وسائل محاربة الفقر وإيجاد مجتمع متكاتف يعيل الغني فيه الفقير ويساند بعضه البعض الأخر مما سيعزز اللحمة الوطنية، ويرتقي بالعلاقات الأخوية القائمة بين طبقات المجتمع، وحث الوزير الجميع على تحمل المسئولية تجاه مبادرة التضامن الوطني من اجل ترسيخ هذه القيمة النبيلة في ثقافة المجتمع.
تصحيح المسار:
ومهما يكن من أمر فإنه ينبغي أن لا يمر الأسبوع الوطني للتضامن دون الوقوف ولو قليلا حول السبل المثلى لتطبيق هذا المفهوم الذي باتت الكثير من شعوب الأرض تفتقر إليه في الوقت الحاضر بعد أن اختلطت الكثير من الأوراق وضاعت أو كادت أن تضيع القيم الإنسانية النبيلة، التي كانت وما زالت سندا وعونا للإنسانية جمعاء، ومنارة تضيء لها دروب الحياة الوعرة على مر السنين.
والأسبوع الوطني للتضامن فرصة لتصحيح المسار لمواجهة التداعيات السلبية للعولمة التي لا تلتفت إلى الشرائح الكبيرة في المجتمعات والتي تتطلع إلى من يتضامن معها في محنها وأوقاتها العصيبة، فالكثيرون من أبناء الوطن بحاجة إلى من يعينهم على عاديات الأيام ومن يرسم على وجوههم بسمة غابت عنهم طويلا.
والأسبوع الوطني أيضا فرصة للمشاركة بفعالية وتوجيه الأنشطة والبرامج التي تقوم بها المنظمات والهيئات الخيرية المحلية والعالمية بتنفيذها لتخفيف المعاناة والعبء عن كاهل آلاف الأسر التي تئن تحت وطأة الظروف القاسية.
محمد عبد الله عمر