لا يختلف اثنان على أن هذا العصر يتميز بأنه عصر احتل فيه التلفزيون مساحة كبيرة في أذهان الناس واهتماماتهم .
وتستحوذ القنوات الفضائية بشكل خاص على اهتمامات الناس وتفكيرهم في كثير من الأحيان علما بأن اغلبها يميل إلى الربحية والنظرة التجارية .
ويرى البعض أن القنوات الفضائية نار تحت الرماد، موجودة في كل بيت، لديها القدرة على الوصول لكل فرد من المجتمع، وهي أيضا بعيدة عن أي رقابة أو تقييد أو تحديد.. جمهورها من كافة الفئات والطبقات دونما استثناء ،يمتد من الأطفال حتى المسنين رجالاً ونساء ومراهقين...
ولكن لا شك أن هذه الصيحات والدعوات المطالبة بمحاربة أو على الأقل تقليص الانتشار الكثيف والواسع لوسائل الإعلام عموما، والقنوات الفضائية على وجه الخصوص، - لما يترتب على أغلبها من تأثير سلبي وتدمير متعمد للأفراد والمجتمعات ،وطمس للمعالم والهوية الحقيقة للأمة- لم تجد نفعا يذكر أو من يستجيب لها على الأقل، وإنما بالعكس تماما،فنلاحظ في الفترة الأخيرة تزايدا مطردا لانتشار هذه الوسائل عاما بعد عام إن لم يكن شهرا بعد شهر ، ناهيك عن ازدياد أعداد الأسر التي تقتنيها.
سلاح ذو حدين:
لقد أصبح من المسلمات في عصرنا الحاضر بأن القنوات الفضائية كغيرها من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة سلاح ذو حدين، مما يحتم على قيادة الأمة ووزارة الإعلام والثقافة وأولياء الأمور إلى تحمل مسئولياتهم وتوجيه النشء والأجيال الصاعدة منذ نعومة أظفارهم، وتسليحهم بما يحول دونهم والسموم القاتلة - إذا صح التعبير- التي تبثها بصورة آو بأخرى العديد من هذه الفضائيات إن لم تكن أغلبها.
ولا بد من الإشارة هنا أن بعض البرامج الهادفة تؤكد للمتلقي ،للطفل وللشاب مثلا بأن الالتزام بالصدق وأداء الأمانة إلى أهلها والإحسان إلى الغير من الضعفاء والمعوزين بل واحترام من هو أكبر سنا...الخ ،هي الصفات الحسنة والقيم النبيلة التي لا تتغير بتغير الأزمنة والأمكنة ، لكن الناشئ لا يرى في واقعه المعاش نماذج فعلية تتجسد فيها هذه السجايا الحميدة إلا ما ندر ،فيراها مثاليات يتغنى بها البعض لا أكثر، ولا يدري عندئذ ماذا يفعل، وأي الاتجاهين يسلك، خاصة وأن من يحملون الصفات المغايرة لتلك المذكورة يملئون حوله في كل مكان.
وترى الدكتورة نسمة أحمد البطريق في كتابها نظرية الإعلام المرئي المسموع، أن التقدم التكنولوجي والعلمي رغم إيجابياته المرتبطة بعمليات البث والانتشار في المناطق التي كانت بعيدة عن نطاق التغطية الإعلامية الإذاعية والتلفزيونية، له العديد من السلبيات والمساوئ ، وهي ترتبط في أغلبها بكيفية التعرض لممضون تلك الوسائل ، أي خطورة تعرض المتلقي للبرامج المختلفة دون ن تتوافر لديه المقومات المهارية والمعرفية الكاملة لتحليل وانتقاء الفكر والثقافة والمواد الإخبارية التي تبثها وسائل الاتصال الجماهيري المرئي المسموع.
إيجابيات
وفي هذا الصدد نشير إلى أن القنوات الفضائية لم تكن كلها يوما شرا محضا ومعول هدم وأداة لتدمير المجتمعات كما قد يتصور البعض، لكنها بخلاف ذلك تكون في كثير من الأحايين عامل بناء ووسيلة تعمير لا يمكن الاستغناء عنهما بل وضرورة يومية تشتد الحاجة إليها في عالم تتغير أحواله ما بين غمضة عين وانتباها أي .. لحظة بلحظة ،وذلك إذا ما استُغلت الاستغلال الأمثل، ووُضعت لها أهداف نبيلة وتولى أمرها مهنيون أكفاء يدركون جيدا كيف يصنعون من الليمون شرابا حلو المذاق .
ومن إيجابيات هذه الوسائل باختصار أنها توفر لنا في البث المباشر فرصة التعرف على الأخبار العاجلة والأحداث العالمية سياسية ، اقتصادية واجتماعية وحتى التقلبات الجوية لحظة وقوعها،فضلا عن تزويدنا بمعلومات جمة عن دول العالم وثقافات المجتمعات الأخرى،مما ينعكس إيجابا على التواصل الثقافي والحضاري بين شعوب الأرض.
ويمكن للقنوات الفضائية أيضا أن تساهم بشكل كبير في تكوين شخصية الإنسان السوي وتوجيهه نحو المسار الصحيح من خلال البرامج الهادفة التي تزوده بكل ما يعينه على حياته الفردية والأسرية والمجتمعية من الخبرات والمهارات الأساسية للعيش الكريم .
وعلى كل يمكن تقسيم هذه القنوات إلى ثلاثة أقسام ،هي قسم يركز على الجانب الإيجابي وهو الأقل عددا وانتشارا مقارنة بغيره فضلا عن أنه يفتقر إلى التميز والجاذبية في أسلوب العرض في أكثر الأحيان، مما يجعل المشاهد ينتقي غيره.
وهناك قسم مغاير له تماما يركز جل اهتمامه على السلبيات وهو خطر على المجتمع لم تُفرض عليه الضوابط اللازمة كالبرامج التي تنشر ثقافة العُري والانحلال.
والقسم الأخير يمزج الجانب السلبي بالايجابي وقد يكون الأخطر بالفعل من سابقه خصوصا على المجتمعات التي تنتشر فيها الأمية مما يجعل المتلقي يختار الغث بدلا من السمين.
التجربة الكافية
يصعب على المتلقي صغيرا كان أو كبيرا رجلا أو امرأة التمييز بين الصالح والطالح والصواب والخطأ مما يشاهد من القنوات الفضائية ما لم يكن يتمتع بالمعرفة اللازمة والتجربة الكافية التي تمكنه من اختيار المادة المناسبة، وإلا فإنها في أغلب الظن تترك أثارا سلبية على نواحيه الفكرية والسلوكية وعلى ذوقه العالم.
وتشير الإحصاءات إلى أن الشباب وصغار العمر هم أكثر الفئات المجتمعية عرضة للآثار السلبية المترتبة على مشاهدة القنوات الفضائية التي تبث البرامج الهادفة إلى الغزو الفكري والثقافي.
محمد عبد الله عمر