تأتي فريضة الزكاة من حيث الترتيب في المرتبة الثالثة من أركان الإسلام، بعد الشهادتين والصلاة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على القيمة العالية والمنزلة السامية التي تحظى بها الزكاة عند الله تعالى، فإن إيمان المرء لا يكتمل أبداً حتى يؤدي هذه الأركان الخمسة، ويجسدها في حياته وسلوكياته مادام هو على ذلك قدير، ووجد السبيل إلى ذلك ميسرا، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.. إلخ.
ولايجاب الزكاة على أغنياء الأمة وأثرياءها حكما بليغة ودروساً جليلة لا يدركها إلا من أنعم الله عليه ببصيرة نافذة تستخلص الأهداف النبيلة الكامنة وراء فريضة الزكاة من الآيات البينات..
فمن خصائص الإسلام التي تميزه عن غيره من الأديان أنه دين يسعى دوماً إلى إيجاد مجتمع متكامل ومتضامن ومتراحم، لا ينسى فيه الأغنياء وأرباب المال أن في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم، وكذلك للقانع والمتعفف والذين لا يسألون الناس إلحافاً، بل يعلم كل غني مسلم جيداً أن الأموال إن هي إلا فتنة وامتحان، وإن الله ينظر إلى هؤلاء الميسورين وسوف يسألهم في يوم القيامة من أين اكتسبوا الأموال، وفيم أنفقوها؟
وعندئذ فقط يربح الرابحون ويخسر الخاسرون، وفي ذلك اليوم يكرم الغني أو يهان .. قال تعالي: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم".
فمن الحكم الجليلة من فريضة الزكاة أن المزكي حينما يدفع الزكاة عن ماله فإن الله يبارك له في ماله فما نقصت صدقة من مال، فالزكاة عبارة عن حارس وحافظ للأموال من كل آفة أو تلف، وعندما يعطي الميسور الفقير والمسكين ما فرض الله له من أموال الزكاة فإن ذلك كفيل بأن يديم المحبة والمودة بين الأغنياء والفقراء في المجتمع الواحد..
فما انتشر الحقد والحسد والبغضاء في مجتمع إلا نتيجة بخل الأغنياء ورفضهم صرف أموال الزكاة إلى مستحقيها من الأصناف الثمانية الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم.
والجدير بالذكر أن بلادنا قد أدركت أخيراً أن الزكاة وسيلة فعالة من وسائل مكافحة الفقر والفاقة من جانب، وخلق مجتمع تسوده المودة والمحبة من جانب آخر، وانطلاقاً من ذلك أصدر رئيس الجمهورية مرسوماً رئاسياً يقضي بإنشاء مؤسسة ديوان الزكاة التي تكون بمثابة جهة مخولة لجمع أموال الزكاة من المزكين وتوزيعها تكون كما جاء في القرآن الكريم قال تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم".
وقد تزودت هذه المؤسسة بالكوادر المتدربة تدريباً جيداً حتى آتت أكلها على الرغم من حداثة عهد هذه المؤسسة الحكومية المستقلة.
فمتى يعي الأغنياء قيمة الزكاة وأهميتها في المجتمع وأن الزكاة تجعل من المال تجارة لن تبور...
إعداد/
نعمة حسين حوش