نحنُ نعلمُ أنَّ العالم يغلي من حولنا. وأن الفوضى في كثيرٍ من الحوادثِ داخلياً وخارجياً. وربَّما كان لكثير منا شغفٌ كبيرٌ بتتبُّعِ مظاهرِ هذه الفوضى، وتقصِّي خفايا هذه الحوادث عبر الأخبارِ والتحليلات .. ولكن السؤال الذي قد يذهن عند بعضنا هو: لماذا نحن مولعون دائماً بتتبع فوضى (الخارج) التي لا نملك إزاءها شيئاً، وإهمال فوضى (الداخل) التي نملك إزاءَها كل شيء ! لا أقصد بالداخل هنا .. بلادنا الغالية حماها الله من كل شرٍّ .. بل أقصد بالداخل : دواخلَنا نحنُ .. كل فرد على حدة. وأقصد بالخارج كل ما هو خارجك أيها الإنسان .. وبالداخل روحك التي بين جنبيك ! بعبارة أخرى : لماذا نحنُ مولعون بتتبع (فوضى العالم) وغافلون عن (فوضى الروح) التي بين جَنبينا ؟ تجد أحدنا مهتماً بالاضطرابات هنا وهناك .. قريباً وبعيداً .. يحلل ويقوّم ويفسّر .. وربما يقترح الحلول والمخارج .. في ذات الوقت الذي تعجُّ فيه روحه بالفوضى دون أن يلتفت إلى ذلك ! ومردّ فوضى الروح إلى أمرين: جهل وضعف.. أما الجهل فالروحُ حين تجهل سرَّ وجودها، وسبب خلقها، تعيش فوضى روحية عارمة سببها الجهل بالحقائق الكبرى التي قررها القرآن. وتلك هي الفوضى الروحية التي يعيشها الملحدون والشكاكون بزعمِ إعمال العقل ! كذلك حين تجهل الروح أشواقها الحقيقية تعيش الفوضى .. حين لا تعرف ما الذي ينبغي أن تتعلق به، وتشتاق إليه، وتحبه .. فالروح إذا لم تتعلق بالمراد الأسمى، وهو الله عز وجل، ولم تتعلق بما اتصل به جل جلاله من وحي قرآني، وسنة نبوية، وأعمال صالحة فإنها حينئذٍ تتقلبُ بين المحبوبات ، وتتنقل بين محبوب ومحبوب، وربما تعلقت بالقبائح والرذائل، وعاشت بذلك فوضى لا مثيل لها.. وأما الضعف فهو ضعف اليقين بمعية الله ولطفه وعونه للمؤمنين، وضعف الرضا بالقضاء والقدر . ومتى ما قاوم الإنسان الجهل بالعلم .. والضعف باليقين .. عاش الطمأنينة والسكينة والراحة .. ونجح في تخطي فوضى روحه !
شاذلي الحنكي