عقب انهيار الحكومة المركزية في الجمهورية الفدرالية الصومالية عام 1991 ودخول البلاد في مرحلة الفوضى العارمة والصراع المسلح على السلطة والثروة الذي أتى على الأخضر واليابس، ولم يسلم منه الحجر ناهيك عن البشر، قرر الكثيرون من أرباب العمل والتجار الصوماليين الانتقال بأموالهم ومشروعاتهم التجارية والاستثمارية إلى أماكن أخرى يتوفر فيها الأمن والاستقرار الأساسيين لممارسة أي نشاط تجاري.
وفي هذا الصدد اتجه البعض من رجال المال والأعمال الصوماليين إلى كل من إثيوبيا وكينيا وجنوب إفريقيا ،والسودان والسعودية والإمارات العربية المتحدة ... لكن الكثيرين منهم توافدوا خصوصا في العقد الأخير على جيبوتي التي وجدوا فيها الكثير من الامتيازات التي لا تتوفر لهم في أغلب الدول المذكورة .
قطاعات واعدة .
ويلاحظ في الفترة الأخيرة تزايدا مطردا لأعداد المستثمرين الصوماليين في جيبوتي، تزامنا مع توجه الحكومة الحالية بقيادة فخامة رئيس الدولة السيد/ إسماعيل عمر جيله إلى استقطاب رؤوس الأموال العربية والأجنبية وجذب المشروعات الاستثمارية الضخمة من خلال عرض الفرص المتاحة في جيبوتي وتوفير التسهيلات اللازمة لرجال الأعمال، وذلك في إطار سعيها الجاد إلى استغلال الموقع الجيوستراتيجي الذي تتمتع به البلاد كهمزة وصل بين قارات العالم القديم وبوابة لمنطقة القرن الإفريقي، مما سينعكس إيجابا على حياة المواطنين بشكل عام ويدفع مسيرة التنمية الاقتصادية المنشودة.
ويقوم المستثمرون الصوماليون الذين قدم أغلبهم من خارج الصومال بعد سنوات من الاغتراب في الدول العربية أو الغرب بتنفيذ مشروعات استثمارية ضخمة بملايين الدولارات توفر عشرات الوظائف للعاطلين عن العمل من أبناء الوطن،وتشمل تلك المشروعات العديد من القطاعات الواعدة كقطاع البنوك والمصارف الإسلامية والعقارات إلى جانب قطاع السيارات والاتصالات فضلا عن استيراد البضائع بمختلف أنواعها إلى جانب قطاع الحوالات التي تزداد عاما بعد عاما.
رواد المنطقة
ومما يعين رجال المال والأعمال الصوماليين المتواجدين في التراب الوطني بتحقيق نتائج جيدة في أنشطتهم التجارية أو مشروعاتهم الاستثمارية ما يتمتعون به من الخبرات والمهارات والكفاءات اللازمة للقطاعات التي ينخرطون فيها، حيث يمارس أغلبهم هذه المهن منذ سنوات مديدة حتى أصبحوا ملمين بها من كافة الجوانب، الأمر يجعلهم من روادها في المنطقة على الأقل.
ويرى الخبير الاقتصادي ومدير بنك ذهب شيل العالمي بجيبوتي الدكتور سليمان أحمد ولهذا: أن الاستثمارات الصومالية تلقى رواجا كبيرا في جيبوتي، إذ تحظى بإقبال الجيبوتيين بشكل ملفت للنظر باعتبارها تمس قطاعات في غاية الأهمية كالقطاع المصرفي على سبيل المثال وتميز خدماتهم بالسرعة والأمانة والمهنية العالية ، موضحا أن بالإمكان جعل جيبوتي ملتقى لمستثمري المنطقة عموما والصوماليين على وجه الخصوص خاصة مع وجود إرادة قوية ورغبة حقيقية من الجانب الجيبوتي الذي يعمل من أجل تذليل الصعوبات التي تعترض طريق الراغبين في الاستفادة من الموقع المتميز للبلاد عبر الاستثمار بمختلف المجالات.
وأوضح ولهذا في حديث للقرن أن الأمور تتجه في الوقت الراهن نحو الأفضل مقارنة بالفترة المنصرمة فيما يتعلق بتطبيق هذه الرغبة على أرض الواقع والتوسع في الأنشطة التجارية في البلاد ،مؤكدا على أن الصوماليين بحاجة إلى جيبوتي - انطلاقا من القواسم المشتركة بين الطرفين- باعتبارها مركزا إقليميا مفتوحا للجميع، ونقطة انطلاق يديرون عبرها كافة مشروعاتهم الاستثمارية في دول المنطقة برمتها.
وفيما يتعلق بتطلعات بنك ذهب شيل العالمي الذي يعتبر من المشروعات الصومالية الناجحة في جيبوتي منذ افتتاحه في العشرين من مارس عام 2000 أشار الدكتور ولهد إلى أن البنك الذي يعمل فيه حاليا أربعون شخصا يسعى إلى التوسع بشكل كبير في الأساليب الاستثمارية التي تسير عليها المصارف الإسلامية، كالمرابحة والمضاربة والإجارة والاستصناع والمشاركة بأنواعها المختلفة مضيفا أن أهداف البنوك لا ينبغي أن تقتصر على الجري وراء الأرباح فقط لكن لا بد وأن تساهم في تنمية الموارد البشرية ودعم الأسر البسيطة في المجتمع وتحسين ظروفها المعيشية عن طريق تمكينها من إقامة مشروعات صغيرة مدرة للدخل تجعلهم في المستقبل القريب من تجار الساحة المحلية.
وأضاف الخبير الاقتصادي في الوقت ذاته إنه يتوقع مستقبلا باهرا للاقتصاد الوطني في جيبوتي معبرا عن قناته في أن تواصل الدولة مسعاها إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية من خلال فتح الطريق أمام المستثمرين وسن تشريعات تشجع الاقتصاد الحر الذي يجعل جيبوتي سوقا إقليمية وعالمية نظرا لموقعها الاستراتيجي وأمنها واستقرارها فضلا عن طيبة شعبها مما جعلها واحة للسلام وسط منطقة مضطربة.
محمد عبد الله