إن المتابع لما آلت إليه الأوضاع في عدد من البلدان يلمس انتقال أحوال الشعوب العربية من سيئ إلى أسو ، ومن أنظمة دكتاتورية فاسدة إلى فوضي عارمة، جراء الصراعات والاضطرابات الداخلية . ولم تنبت شجرة الربيع العربي إلاحنزلا وعلقما ولم تورث البلدان إلا عناء وشقاءا ومرارة أدخلت إلي قلوب الشعوب العربية يأسا وبؤسا وأدخلها في دوامة من العنف وصراع داخلي لا ينتهي .
وورثت الدول العربية من هذا الربيع كثيرا من العوامل السلبية بداية بالانهيار الاقتصادي ، والتدهور الأمني، والاختلافات السياسية الحادة ،والانقسامات الشعبية، والمذهبية، والطائفية وتدمير كافة مؤسسات الدولة في بعض البلدان ، وإعادة كل شئ إلي نقطة الصفر ،وكأن بعض الدول تراجعت عشرين سنة إلى الوراء . وظهور الحركات الإسلامية المعتدلة في صدارة الحكم والسلطة في معظم الدول التي حدثت فيها الثورات ، وهذه الحركات تتخبط وتتعثر في شتى المجالات السياسية علما أن هذه الحركات حديثة العهد بالسياسة ،والصراع بينها وبين أحزاب المعارضة التقليدية ، العلمانية وغيرها التي كانت موجودة أصلا في أيام الأنظمة الدكتاتورية . وأصبح التنافس حادا ومريرا، حيث كل حزب يسعي لمغالبة الآخر والاستيلاء علي السلطة ورفض الشراكة والتعاون التعاون في إدارة الدولة ، وكل حزب يرفع راية الديمقراطية ويلوح بها لمناصريه وكأن الديمقراطية (ليلى) التي يدعي كل طرف حبها وليلى لا تقر له بحبها ، وأصبحت سمة كل حزب ترديد شعارات وهمية فارغة ليست تترجم علي أرض الواقع العملي وإلقاء اللوم على الآخر ، وضاعت مطالب الشعوب في زحمة الصراع الداخلي المستمر بين الأحزاب ، صراع لا يعرف مداه ونهايته ، بالإضافة إلى التدخلات السافرة من قبل الدول الغربية التي تريد ركوب موجة الثورة، وتوجيهها إلى حيث تريد، وتقوم إلى ترشيد الثورة لمصالحها الغربية ، وتراقب عن كثب حتى تحقق مصالحها من خلال الثورات العربية وإلا ستقوم ضدها ، وأصبحت الميادين في المدن والعواصم العربية مكتظة بإعتصامات مضادة بعضها لبعض، وما زال واقع الشعوب العربية في حال أسوأ مما كان عليه من قبل ، ولم تجن الشعوب ثمار الربيع العربي حتى الآن ، وتعتكف الشعوب في الميادين أملا لتحقيق أهداف الثورة تحقيقا تجني الشعوب ثماره، وما زالت الثورات قائمة وتجلب ثورة بعد ثورة ، ومما لاشك أن الشعوب العربية كانت عندها مشاكل اجتماعية جمة تراكمت في ظل الأوضاع المزرية التي كانت تعيشه ، وقامت ثورات ما يسمى بالربيع العربي، وأهم ما كانت ترجوه من هذه الثورات حل مشاكلها الأساسية مثل البطالة وسوء المعيشة والفقر والحرية والعدالة وغيرها من المشاكل التي كانت تعاني منها الشعوب وتسعي لتحقيق أهداف الثورات ، المتمثلة في تغيير أوضاعها السيئة وإلى التطور والتقدم والرفاهية والعيش الكريم ،ولكن واجهت مالا يخطر بالبال ودخلت في بحار المشاكل والأزمات كأنها فجرت قنبلة المشاكل وبعض البلدان أصبح حالها أسوء مما كان عليه من قبل حينما انحرف مسار الثورة السلمية إلى الحروب الدامية والمدمرة التي تأكل الأخضر واليابس حتى أطلق عليها مصطلح ( الصوملة) بسبب فجاعة هذه الحروب ،وهذه مشاكل مظاهرها واضحة في البلدان التي وقعت فيها الثورات، حيث أن السجون مكتظة ونسبة البطالة وغلاء المعيشة بلغت أعلى دراجاتها وهذا مايقلق عشاق الثورات ، وخيب أمال الشعوب العربية، وأدخل قلوب الثوار خوفا من الفشل.
وهذه العقبات أصبحت أهم التحديات المستعصية التي ظهرت أمام هذه الدول ، وإن كانت كل دولة تحمل خصائصها المميزة في هذه التغييرات الجذرية من خلال تركيبها الاجتماعي، والواقعي ،والديني، والحضاري ،والثقافي والاقتصادي ، وهذه العوامل تلعب دورا مهما في مدى قدرة التعامل مع هذه الثورات ، علما أن بعض الدول تأثرت بهذه الثورات تأثيرا اختلط فيها الحابل بالنابل وكأن ملامح الحروب الأهلية باتت تلوح الأفق.
مؤمن موسى علي