أعجبني كثيرا إطلاق بعض أهل العلم والصلاح مسمى < ذوو العطاءات الخاصة > بدلا من مسمى < ذوو الاحتياجات الخاصة > ولبناء مفهوم التعامل معهم على نحو يليق بهم ينبغي تصحيح نظرتنا إليهم .. فالمعوقون هم أفراد ابتلوا بفقدٍ عضوي، ولكنهم مكتملو الإنسانية، بل إن الله قد عوضهم بما فقدوا فيضاً في إنسانيتهم يفوق ما نلاحظه فيهم من التفوق العضوي المقابل لما فقدوه .. كالسمع المرهف لدى الكفيف .. ولكن قصورنا عن الارتقاء إلى هذا المستوى من تقدير أهميتهم في حياتنا قد أعاقنا عن تفعيل هذا المعنى، وبذلك أصبحنا "معوّقين" عن التعامل مع من نسميهم "بالمعوّقين".
ينبغي أن نتجاوز المفهوم المشوَّه والمشوِّه للعطف والشفقة والصدقة، حتى أضحت هذه الألفاظ الراقية جارحة للمشاعر وتصل على غير دلالتها الأصلية .. لذا فعلينا أن ندرك أننا مَن نحتاج إلى التعامل معهم من منطلق أنهم أسوياء إنسانياً، وأن لديهم ما يمكن أن يقدموه إلى المجتمع في شتى المجالات العملية إذا ما أُتيحت لهم فرصة التدريب والتأهيل والتمكين من الوظائف..وهنا نجد أن الحبيب (صلى الله عليه وآله وسلم) قد رسم لنا منهجاً عملياً في التعامل مع هذه الشريحة المعطاء في هديه الشريف؛ فهذا عبد الله ابن أم مكتوم يصبح مؤذناً للنبي بالرغم من فقد بصره، بل ويعتمد النبي أذانه للفجر دون أذان بلال، فيقول عن الإمساك في الصيام: "إن بلالاً يؤذِّنُ بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أمِّ مكتوم".وها هو يستخلفه على إمارة المدينة ـ غير مرة ـ عند سفره (صلى الله عليه وآله وسلم) منها ! بل لقد تعامل معه من منطلق أنه مكتمل الآدمية والكفاءة حتى أنه أذِن له بأن يحمل لواءً لجيش المسلمين في بعض المعارك، الأمر الذي جعله يُصرُّ على حمل اللواء في معركة القادسية في خلافة عمر طلباً للشهادة في سبيل الله .هذا المنطلق من احترام حق ذوى الاحتياجات الخاصة "المعوقين" في أن يُعطَوا فرصتهم لخوض تحديات الحياة، هو ما نحتاج إليه اليوم كي نكتشف حقيقة أنهم ذوو "العطاءات" الخاصة ، وعندما نتأمل منطلق الترغيب في خدمتهم وما يترتب عليه من الثواب، ندرك أننا نحن من نحتاج إليهم أكثر من حاجتهم إلينا.. هذا المعنى العظيم مرتبط بالتعامل مع هذه الشريحة، فعندما نرتقى بالتعامل معهم على أساس أنه جزء من عبادتنا لله، ندرك أننا أصحاب الحاجة إليهم، فنصحح نظرتنا إليهم، ونحترم كرامتهم، ونُجلّ قدرهم، ويظهر ذلك في تصرفاتنا، فتعود الألفاظ الراقية الرأفة والشفقة والإحسان إلى مكانها الصحيح ..
وليست ألفاظا فارغة لإرضاء غرورنا أو وسائل لتنميق صورنا الاجتماعية..نعم نحن أصحاب " الاحتياجات " الخاصة إلى هذه الشريحة من أصحاب " العطاءات " الخاصة، فهل ننتبه إلى هذه الحقيقة فننهض إلى حسن التعامل معهم، ونحترم هذه النعمة العظيمة التي أوجدها الله من بيننا ؟!

شاذلي الحنكي