كانت القراءة ولا زالت عاملاً أساسياً من عوامل تقدم الأمم وعلامةً بارزة من علامات قوة الأمم وأهليتها لقيادة وتزعم تلك الأمم الأخرى التي لا تعطي للمطالعة ما تستحقها من الأهمية وذلك لأن القراءة أداة مهمة من أدوات المعرفة ووسيلة حيوية من وسائل الحصول على خبرات الآخرين وكسب تجاربهم وبالتالي التفاعل معها والبناء عليها.
ومع الاعتراف بأن الكتاب لم يعد الوحيد في الميدان في عصر الصورة والإنترنيت إلا أنه ما زال الأهم والأفضل وما زالت الوسائل الأخرى عاجزة عن أخذ دوره وتغطية مجالاته مما يعطي الكتاب أهمية قصوى ويجعل من دوام مطالعته أمراً ضرورياً,ولا غرو أن كان أول ما نزل من القرآن الكريم الأمر بالقراءة للفت انتباهنا إلى أهميتها وحيويتها,ولكن مما يندى له الجبين أن أمة اقرأ تعد الآن في ذيل الأمم في مجال القراءة والمعرفة مما أفقدها مقومات القيادة والأستاذية اللتان تمتعت بهما ردحا من الزمن وأصبحت اليوم عالة على الأمم الأخرى في كل مناحي الحياة من الإبرة إلى الطائرة.
إن إهمالنا للقراءة يجعلنا لا نساير عصرنا ولا نعيش زماننا إذ ما إن جد يوم إلّا ويجد معه جديد, فالمتخصص في مجال معين يحتاج إلى الاطّلاع المستمر ليواكب التطوير والتحديث الحاصل في حقل تخصصه .
(تفيد بعض التقديرات بأن نحو 90% من جميع المعارف العلمية قد تم استحداثها في العقود الثلاثة الأخيرة ,ويقول أحد الباحثين: إنّ على المتخصص أن يضع في حسبانه أنّ نحو 10إلى 20% من معارفه قد شاخ وعليه أن يجدده ,ويشير باحث آخر إلى أن أعراض الشيخوخة تعتري المعلومات بنسبة 10إلى 20% في اليوم بالنسبة للجرائد و10% في الشهر بالنسبة للمجلات ,و10% في السنة بالنسبة للكتب, وتقادم المعلومات يتجلى في صور شتى, فكم من أشياء كانت من المسلمات ظهر زيفها وكم من نظريات كانت تدرس تحول الاهتمام عنها وكم من دواء كان يستخدم لعلاج مرض معين لم يعد صالحاً للاستخدام وسحب من السوق,وعلاج هذا كله دوام الاطلاع والمتابعة) نقلا عن كتاب القراءة المثمرة للدكتور عبدالكريم بكار بتصرف.
و الدولة التي تأمل أن تكون في مصاف الدول المتقدمة تحتاج إلى إستراتيجية تعتمد على دفع مجتمعها نحو الاطلاع والبحث العلمي ويحضرني هنا دراسة قرأتها في مجلة المعرفة السعودية تحدثت عن القفزة السريعة لدولة كوريا الجنوبية التي كانت في وقت قريب دولة فقيرة والتي أصبحت الآن دولة صناعية بامتياز وأصبحت منتجاتها رقماً صعباً في الأسواق العالمية في فترة وجيزة وذلك حين أخذت خط المعرفة وحشدت شبابها نحو التعليم والإطلاع الهادف.
إن نهضة شاملة في كل مجالات الحياة تبدأ من اقرأ ، ولهذا يتحتم علينا أن ندفع شبابنا نحو القراءة وأن نربي النشء على حب المطالعة ,كما ينبغي أن نملأ فراغهم بالأنشطة المفيدة التي تلائم مداركهم وتساهم في بنائهم بناءاً متكاملاً والتي فيها جزء من المرح المسلي وجانب من الجد المحفز,وأن ننتبه للدور السلبي الذي يلعبه إدمان التلفزيون والألعاب الالكترونية والانترنيت على عقولهم الغضة وما أجمل أن نطوع هذه التكنولوجية الحديثة ونستخدمها كوسائل للبناء والمعرفة لا معاول هدم وتدمير للقيم وتضييع للوقت والطاقة, وهذا واجب يشترك فيه كل من المؤسسات التعليمية والأسرة ووسائل الإعلام والمراكز البحثية، هذا إن أردنا أن يكون لنا مكان تحت الشمس وإلا سنظل أمة مستهلكة تعيش عالة على الآخرين.
بقلم/ د. برخد عبدي جيدي
طبيب أسنان في وزارة الصحة