مما لا شك فيه أن التنوع الانساني والثقافي هو أحد أهم عوامل المساعدة على البناء والنهوض بالمجتمعات , كما أنه في الوقت ذاته أحد معاول الهدم لتلك المجتمعات التي لا تعي الدور الكبير والمهم لمعنى التلاقح الفكري والثقافي البناء الذي يهدف إلى رفد المجتمعات بأبجديات تجعل من هذا التنوع والتباين الثقافي والمعرفي وسيلة ناجعة للنهوض والرقي الحضاري في المجتمعات .
ذلك أن الاختلافات البينية في البنية الثقافية والمعرفية في المجتمعات تسهم بشكل أو بآخر برفد المجتمعات بالمعارف المتنوعة والوسائل المختلفة للتنمية والبناء استناداً إلى هذا التنوع الخلَاق والحصيلة المعرفية الكبيرة التي تأتي نتاجاً طبيعياً ومنطقياً لهذا التنوع .
ونحن نناقش فكرة التنوع تقع بين أيدينا نماذج كثيرة في العالم جعلت من واقع الاختلافات العرقية والإثنية أداة إيجابية لتعزيز فرص تقدم المجتمع أو نموها .
فسنغافورة – على سبيل المثال لا الحصر – ضربت مثالاً رائعاً في دمج ثلاث هويات متباينة اللغة , الثقافة , الدين وجعلت من تلك الفرو قات عوامل مساعدة لنهضة سنغافورة كما نراها اليوم .
إن مفهوم التعايش الانساني من المعاني السامية التي ينبغي تعزيزها ؛ لأن غيابه كفيل بجعل تلك الاختلافات البشرية – استناداً إلى الطبيعة الديمغرافية – في اللغة , المنطقة , اللون , والثقافة سبباً رئيسياً للتناحر والاحتراب تحت يافطات وشعارات جهوية ,عرقية , وإثنية.
وفي مجتمعنا المحلي الذي يتميز بهذا التنوع والتعدد الثقافي ؛ ينبغي العمل بشكل حثيث على توطيد أكبر لمعاني التعايش الإنساني حتى لا يتم الانشغال بإثارة النعرات أو نكون وقوداً في اشعالها على حساب العمل الايجابي الذي يبني المجتمع ويُسهِم في رقيه وتقدمه .
وإذا عرَجنا قليلاً على مفهوم أخر ألا وهو التسامح ؛ فإن هذا المفهوم يرتبط بحقوق الإنسان ، وقيمة التسامح تتعلق بمجموعة من الحقوق التي تميز أي نظام إنساني ؛ مثل السماح بالتعبير عن الرأي وتساوي الجميع أمام القانون دون اعتبارات مناطقية أو جهوية , أو تلك الاعتبارات التي تستند إلى الفرز العقدي (الديني ) , و التسامح ممارسة يمكن أن تكون على مستوى الأفراد و الجماعات و الدول ، وهو مبدأ ينبثق عنه الاستعداد للسماح بالتعبير عن الأفكار و المصالح التي تتعارض مع أفكارنا و مصالحنا . ويمكن تعريف التسامح بأنه : الاحترام و القبول و التقدير للتنوع الثقافي ولأشكال التعبير و الصفات الانسانية المختلفة .
وللتسامح آثار كبيرة منها ان المجتمع الانساني ينطوي على درجة كبيرة من التباين و التوحد في الوقت نفسه ، يتجلى التباين في العدد الكبير من الأعراق و الأجناس و الأديان و القوميات التي تحمل قيم و معتقدات تؤدي إلى ثقافات مختلفة ، ويتجلى التوحد في ان كل أعضاء هذه الجماعات يشتركون في كونهم يسعون للعيش بكرامة وسلام وتحقيق طموحاتهم ومصالحهم وعلى ذلك ، فان ما يجمع الناس هو أكثر مما يفرقهم .
وفي العصر الحالي فان احتكاك المجتمعات بعضها ببعض وتشابك المصالح بينها نتيجة لثورة الاتصالات و المعلومات و المواصلات ، جعل من التسامح و التعايش و الاتصال و الحوار المفتوح ضرورات لا بد منها لتحقيق مصالح المجتمعات جميعها .

مروان علي