إن المتأمل في الوضع المؤسف الذي آل إليه العالم العربي تنتابه حالة من القلق البالغ والشعور بالهلع حيث يفقد المرء القدرة على التركيز والاحساس بالضياع في خضم هذه الأمواج العاتية وفي زحمة ما يشهده الوطن العربي من حوادث مرعبة وهذا الهيجان الذي يلف المنطقة كلها بستار كثيف يحجب الرؤية فتستوي الأ نوار والظلمات ويتداخل الصالح بالطالح وتلتبس الأمور حتى على العقلاء والحكماء.. يستبد بالناس الملل واليأس ويسيطر عليهم الضجر والقنوط بلا بصيص لرجاء أو أمل، ننام على احلام وردية ونصحو على واقع مرّ أليم فلا نجد الا فتنا ودماء وأشلاء تفتك بالأطفال والنساء والرجال بلا ذنب اقترفوه او منكر فعلوه..
وفي ظل هذه الفوضى التي تعصف بعالمنا العربي في المشرق والمغرب وهذا الاختلاف المفزع في أمور تتفاوت في أهميتها كتكاثر التيارات بشكل لافت وتضارب مشاريعها وبرامجها إلى حد تبادل التهم بالخيانة والعمالة بل تعدى ذلك للاقتتال بين الإخوة الخصوم نشاهد ونسمع يوميا أو نقرأ عن الهول الجحيمي والارهاب الجماعي والدمار المستمر والمذابح اللاتي تحصد الأرواح في بعض بلداننا العربية
وتتعدد الأيدي المباشرة والغير المباشرة الملطخة بدماء أبنائنا الأبرياء..والغريب أن كل واحدة منها تلقي اللأئمة على الأخريات وتحاول تبرئة نفسها من الجريمة وكل فئة لها اعلامها وقنواتها وطاقمها الصحفي للدفاع عنها وتبرير عملياتها الميدانية وانشطتها السياسية وتخفي خسائرها وضحاياها وتركز على النجاح والنتائج التي تحققها..بطبيعة الحال ما دام أن الحرب خداع فإن الغاية تبرر الوسيلة للنيل من العدو ـ والغريب أن العدو في هذا المشهد هو الأخ والشريك في الوطن ـ ولو تطلب ذلك الكذب وممارسة الحرب النفسية والدعاية والتضليل والتعتيم
ومن هنا تصبح الحقيقة الخاسر الأكبر ويصبح الانسان في خطر، أمام خطر الجهل والعمى مهددا بعدم معرفة ما يحصل في العالم ، وما يُفعَل بالعالم والإنسانية.. يكتفي بمشاهدة ألأحداث متفرّجا على ما يقع من كوارث ودمار، ومتنقلا من حرب إلى مجزرة ، ومن رعب إلى آخر..يظل قلِقا ومحروما من الأمل ويوشك أن يرى الخيط يفلت من أيديه ، وأن لا يفهم شيئا..يستنطق الحجر والبشر والحيوان والنبات ، وما يحويه الزمان والمكان في محاولة منه لمعرفة ما يحدث بالفعل علي أرض الواقع ..يتسائل : ما الذي يحدث في هذا العالم ؟ ماذا يراد بنا وبأوطاننا ؟ من يقف وراء كل ما يحصل ؟ ولماذا بالضبط ؟ يتساءل في محاولة يائسة منه لفهم مجرىات الأحداث وأسبابها وأهدافها حتى يستعد لمواجهة أخطار الحاضر وتهديدات الغد ، لكن لا جواب يُشفي الغليل ويرفع الضبابية عن الواقع. بل بالعكس يتيقن من أن كل شيء مخطط في غاية من الدقة لخلط الأوراق وإتلاف الدلائل وتلفيق التبريرات وتضخيم التهديدات..كل هذا من أجل إخفاء ما يجري في الكواليس ومنع الحقيقة من الانكشاف والظهور, وزرع الشكوك في صفوف المواطنين والمجتمع ونشر الفوضى والبلبلة بين الناس أفرادا وجماعات.
إن المرحلة المعاشة في الوطن العربي ، والواقع الأليم الذي يستبد بالأمة العربية من المحيط إلى الخليج، تجعلنا نتوجس خيفة ، فترتعد فرائصنا وتخفق قلوبنا وتنتابنا حالة غير مسبوقة من اليأس الممزوج بالألم.. لم نكن نتخيل في أي يوم من الأيام أن تؤول الأمور إلى هذا الحال الذي لا نتبين فيه الطريق السوي المؤدي لشاطئ الأمان.
ليس هذا الشعور ناجماً عن موجة من التشاؤم تجتاح عالمنا العربي نظراً للأوضاع المتردية التي تضر بمصالح البلاد والعباد وتصب في مصلحة الأعداء ومن يسير في ركابهم ذوو مآرب أخرى تخدم مخططاتهم المشبوهة والتي بدأت تطل برأسها وسط هذا الزحام الذي تتشابك فيه الأمور إلى حد كبير

فيصل مختار
Minnesota USA