يكفي ان تمتلك حلماً كبيراً وإرادة بحجم ذلك الحلم لتحقيقه على ارض الواقع »
الكلام أعلاه هو ما رددت به على صديق ساخر من خبر مفاده ان جيبوتي في طريقها لان تكون دبي القرن الافريقي ، كنت أدرك حينذاك ان الأحلام والطموحات الكبيرة إذا توازت معها خطوات عملية ومزمنة تفضي إلى تحقيق تلك الأحلام فان مصطلح المستحيل يصبح ضرباً من اللامنطق .يكفي ان ترجع عقد او عقدين إلى الوراء لتعرف مدى الفارق المهول وحجم الصعود صوب أعلى الهرم على طريق النهضة والبناء الذي تحقق ، ناهيك عن الهوية الجيبوتية التي أخذت تتشكل بقوة تاركة خلفها كل الفئويات والاثنيات التي تفت في عضد المجتمع وتصير معاول هدم .
فمنذ تأسيس دولة جيبوتي في 27 يونيو 1977 م وهي تنتشل ذاتها بسواعد أبنائها وهممهم من قعر اللادولة إلى الدولة ، ومن الانزواء والانكفاء على الذات والداخل إلى الانفتاح ، ومن مد اليد إلى الاكتفاء الذاتي ، هي ذات الآلة التي ركلت كل الدول المتقدمة إلى الأعلى ، وهو ما تسير على خطاه الدولة البكر ( جيبوتي ) بصرف النظر عن التفاصيل الصغيرة .
ان بناء الإنسان بثقافته وكيانه ، تعليمه ووعيه هو من اهم المداميك لبناء المجتمعات الحية التي تسعى للحاق بركب الحضارة والدول المتقدمة ، وهو اهم لبنات البناء والنماء لتشييد الصرح الذي يطاول عنان السماء , تلك ليست أماني بقدر ما هي طموحات مشروعة لشاب يسعى بسلاحه (القلم ) ليكون عنصراً فاعلاً في سباق النهضة .ويبرز التعليم والبحث العلمي كأحد اهم المحاور لبناء الإنسان الجيبوتي ، ذلك ان بناء العقل يختصر مئات السنوات الضوئية ( والتعبير هنا مجازي ) للوصول إلى الأحلام والغايات المنشودة . وقد كنت في مقال سابق ناقشت التعليم المدرسي على انه بداية لنشوء جيل خليق به فرض واقع يفضي إلى النهضة ، وامتداداً لرسالة المدرسة تأتي الجامعة لإكمال عملية تشكيل الطالب ليكون جاهزاً لخوض غمار معركة التشييد والبناء المنوطة به , وهو بطبيعة الحال ما ينتظره منه المجتمع . ان ما تشهده جامعة جيبوتي من سعي حثيث للتطوير وافتتاح كليات وأقسام جديدة لهو دليل على صدق النية , وجدية التحرك , فمخرجات الجامعة بالتأكيد لن تكون أصفاراً على يسار المعادلة , هذا معطى غاية في الأهمية , وهو ما يقع على عاتق من يقوم على التعليم أو العملية بجميع عناصرها .
ختاماً : كان الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز يقول «إن لي نفساً تواقة ، وما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلى منه ،تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها،والآن يا رجاء تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها.»
فالأحلام بقدر ما تكون معقدة أو صعبة فإن الهمة والعزيمة تذللها , وكلما كان الحلم كبيراً وعظيماً بحجم نهضة بلد كلما تتالت العقبات أمام تلك الأحلام والطموحات , ليصبح بعد ذلك الانجاز بحجم العنت والجهد المبذول , وتتناسب النتيجة طردياً مع مقدار التضحية في سبيل الحلم .
أنها الرغبة في الحياة هي ما جعلتني أبوح بكل السطور أعلاه , يقال أن البشر الأسوياء هم من تراودهم الأحلام فمنهم من يمضي صوب تحقيق حلمه , ومنهم من تهزمه الصعاب والعقبات , أثق أنا لن تهزمنا الصعاب وستواصل جيبوتي في خطى حلم أبنائها حتى النهاية .

مروان علي