إن التحديات التي تواجه المجتمعات كثيرة ومن أهمها المحافظة على التميز الثقافي والقيمي لتلك المجتمعات حيث إن شدة الاحتكاك والتداخل بين الثقافات ، والانفتاح على ألآخر الذي فرض نفسه على الجميع بفعل ثورة الاتصالات ولم يعد خيارا مثلما كان في السابق ، ينبئ في الحقيقة بخطر الاضمحلال وذوبان الطرف الثقافي الضعيف في بوتقة الطرف الأقوى حضاريا وثقافيا .
نعم ؛ إن الانفتاح على الآخر أمر فرض علينا – كمجتمعات نامية - ولم يعد بالإمكان إذا توقفنا عن الحراك الفكاك منه ، فالعولمة مع ما تحمله من إيجابيات وسلبيات ستعمد لاقتحام حياتنا وستفرض علينا رؤاها ، والتي قد نتفق معها أو نعترض عليها ،على أن هذا الاتفاق أو الاعتراض على اقتحام العولمة بترسانتها القوية من وسائل اتصالات جعلت من العالم قرية صغيرة لن يغير من الأمر شيء بقدر ما يستهلك المزيد من الوقت في الحسرة على اللبن المسكوب .
تكمن ناصية هذا التحدي في تسخير أدوات العولمة لصالح نهضة المجتمعات وتوطيد العلاقات البينية المجتمعية قبل الولوج الى قلب العولمة واستجلاب منافعها , بالإضافة إلي ترسيخ ثوابت المجتمع وقيمه الأخلاقية وتقاليده التي ببقائها تتقوى الهوية للمجتمع ؛ ذلك أن الانفتاح غير الممنهج على الثقافات والعادات الدخيلة يسهم في ذوبان الهوية الجمعية للمجتمع وتمييع قيمه وعلاقاته البينية داخل المجتمع الواحد .
يصعب الحديث – في مثل هكذا واقع – عن إمكانية إيجاد خطوط حمراء أو محددات لمدى الانفتاح المطلوب الذي يتحتم عدم تجاوزه , أو حتى التقنين لهذا المتغير الضخم , هذا أقرب إلى الوهم منه إلى الواقع , لسبب بسيط ؛ وهو أن أدوات الوصول إلى المعلومة أضحت في متناول الجميع دون استثناء , بل ووفرت نظرية الفضاء المفتوح على الناس عنت بذل الجهد في معرفة ما يحدث في أقاصي المعمورة دون كلفة تذكر .
وأنا أعصف في ذهني موضوع الانفتاح , طرأ تساءل مفاده ؛ ومالذي يجعل من فكرة ابتكرها الانسان (وهي العولمة ) لتسهيل فرص التواصل وتقريب البعيد مالذي يجعل من هذه الفكرة خطرا يهدد هوية مجتمع ما ؟ !
ثمة الكثير من الوسائل يمكن بها الحيلولة دون ذوبان المجتمعات وتجريف ثقافتها وهويتها أمام ما تضخه ماكينة العولمة على المحور السالب ؛ وأقصد هنا الثقافة والسلوكيات الغير سوية أو الغير متوائمة مع تقاليد وأعراف المجتمع وهويته .
من ذلك ترسيخ الروح الوطنية والدينية أولاً , ومن ثم التوعية الممنهجة والجادة بأهمية (فلترة) وتنقيح كل ما يأتي من خارج حدود الهوية والثقافة المجتمعية , هذه النقطة بالتحديد تضع المسئولية على عاتق كل فرد في المجتمع ابتداءً بالمسؤولية الذاتية وانتهاء بكل من وضع نفسه على كرسي المسئولية العامة في المجتمع .
بمعنى ؛ لا يكون الترسيخ للروح الوطنية والدينية ولا تتأتي التوعية عن طريق الانغلاق على العالم أو بوضع سد منيع يحجب عنا الماء والضوء ولا الانفتاح بمعنى اقتلاع جذور الشجرة لكي نترك لها الحرية لتمشي في الغابة فلا هي ستمشي ولا هي ستنتج ثمراً .
إن أول مرتكز يجدر الاعتماد عليه في التعامل مع هذا الواقع هو تكريس معنى الانتماء للهوية القومية للمجتمع وتقويتها , لتنشئ أجيال خليق بها فرز ما يأتي من الخارج وتمييز غثه من سمينه , ومن ثم يأتي دور المرونة والفطنة في قولبة تلك المعارف والأفكار العابرة للقارات لتكون في صورة قابلة للنفع على مستوى المجتمع .
مروان علي