بعد ساعات ستغرب شمس اخر يوم في الأسبوع الاول من الشهر الفضيل الذي حل فينا ضيفا كريما قبل ، عزيز علينا ، ويزورنا كل عام مرة، ليطهرنا من درن الذنوب ، ويجلي قلوبنا من ران المعاصي ، فما أكرم هذا الضيف ، وما أعظمه ، فقد فتحنا له القلوب قبل أن نفتح بيوتنا له ، فحل في سويداء قلوبنا قبل أن يحل في ديارنا ، ذلك هو شهر رمضان الفضيل الذي يعظم الله فيه الأجر، ويجزل المواهب ، ويفتح أبواب الخير فيه لكل راغب محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ، أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار ، فبلوغ رمضان نعمة كبيرة ، وفرصة عظيمة على من بلغه وقام بحقه ، وذلك بالرجوع الى ربه ، من معصيته والى طاعته ، ومن الغفلة إلى ذكره ، ومن البعد الى الإنابة اليه . قال الشاعر :
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رحب : حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما : فلا تصيره أيضا شهر عصيان
واتل القران وسبح فيه مجتهدا : فإنه شهر تسبيح وقران
كم كنت تعرف ممن صام في سلف : من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعد همو : حيا فما أقرب القاصي من الداني
فرمضان مدرسة المتقين ، يتلقون فيها دروس التقوية ، وزاد العارفين لربهم ، وعدة الصالحين ، ودرب الساكين الموصل إلى رضوان الله تعالى ، شريطة أن يكون صومه كما يريده الله تعالى وهو الصوم الذي حفظ من جميع النواقص والنواقص ، فهذا الصوم حري أن يورث صاحبه التقوى.
يعلمنا رمضان الأمانة ، حيث أن صومه أمانة كغيره من العبادات ، فيجب على المسلم المحافظة عليه ، ومن حافظ على أمانة الصوم فهو من باب أولى أن يحافظ على الأمانات الأخرى ، ومن يضيع هذه الأمانة فهو من غيرها أضيع , وهو شهر تغيير الواقع المألوف المعتاد ، إذ تتغير فيه أوقات الأكل من النهار إلى الليل ، كما تتغير أحيانا أوقات العمل ، وقد تتغير أيضا طبائع الإنسان وسلوكياته ، وذلك بما للصوم من تأثير إيجابي يساعد على ضبط النفس ، والسيطرة عليها ، والقوة على الإمساك بزمامها ، حتى يتمكن المرء من التحكم فيها ويقودها إلى مافيه خيرها وسعادتها ولذلك فإن الصيام فرصة لأصحاب البلوى لتغيير واقعهم ، والتخلص من بلواهم ، كما أنه فرصة لتغيير العلاقات المتوترة بين بعض الأفراد والجماعات وتحسينها وتطويرها . وهو موسم تربية النفس على الصبر والتحمل فالإنسان عندما يصوم يتخلى عن محبوبات النفس وشهواتها من طعام وشراب وغير ذلك وهو بأمس الحاجة إليها ويقاسي آلام الجوع والعطش مع شدة الحرارة، ففيه صبر على الطاعة ، وصبر عن المحارم ، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الحرمان عن المأكل والمشرب ، وضعف البدن والنفس ، وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين .
وفي رمضان تتجسد معاني التراحم والبذل والعطاء والتكافل الاجتماعي ، وتختفي فيه صفات البخل والأنانية وحب الذات ، وتذوب الحواجز بين أفراد المجتمع ، وتزول الفوارق بين طبقاته وتقترب المسافات بين الأغنياء والفقراء ، وتقل الفجوات بين شرائح المجتمع يرأف الأغنياء للمحتاجين من الفقراء والمساكين وذوي الاحتياجات الخاصة ، ويمدون لهم يد العون والمساعدة ، يتحول المجتمع إلى أسرة واحدة تتأصل فيها جذور المحبة والوفاء ، ويسودها التعاون والإخاء ، وتنتشر فيها سنة واخلاق المصطفى عليه الصلاة والسلام ، الذي كان أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حيث يلقاه جبريل ، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فرسول الله عليه الصلاة والسلام ، أجود بالخير من الريح المرسلة . ومن هنا لابد أن نشير إلى الوزارات والمؤسسات الجيبوتية التي تنشط في مجال العمل الخيري كوزارة الشؤون الاجتماعية، ومؤسسة ديوان الزكاة والوكالة الوطنية للتنمية الاجتماعية ، فإن هذه المؤسسات تضاعف جهودها في مجال الخير في شهر رمضان المبارك إيمانا منها بأن هذا الشهر ميدان للتنافس والتسابق إلى الخير وتواسي المحتاجين من الفقراء والمساكين وتقف بجانبهم وتقدم لهم المساعدة والمساندة ، وتدخل في قلوبهم الفرح والسرور ، حقا فإن شهر رمضان موسم الخير والبركة ، ولنعد أنفسنا للاستفادة منه ، ولنصن صومنا فيه من الخلل، ولنحافظ على حرمة هذا الشهر الكريم .
عثمان عبدي جبريل