تعتبر لغة الأم للمجتمعات الإنسانية في هذا الكوكب أداة مهمة للاتصال والتواصل فيما بينها، كما أنها تكون إحدى أهم المرتكزات الضرورية والأساسية في تكوين هوية الأفراد والجماعات، بالإضافة أنها تعزز التلاقي والتقارب بين مستخدميها وتؤسس قنوات التفاهم والتبادل والحوار والتسامح، كما أنها تلعب دوراً هاماً في اكتسابهم للعلوم والمعارف للإكتسابهم من خلال تسهيل لغة الأم علي المجتمع استيعاب المعلومات العلمية والثقافية والأدبية والتاريخية والسياسية والاجماعية والاقتصادية

وأن لغة الأم من أهم الأشياء التي تشكل حلقة وصل بين مستخدميها والتي يمكن أن يتم من خلالها التعرف على ثقافات تلك المجتمعات وعاداتها وتقاليدها والإندماج فيها ومن هنا يصعب على الباحثين والمهتمين بقضايا لغات الأم التعرف على ثقافة مجتمع ما في العالم دون أن يكون عندهم أي علم بلغة ذلك المجتمع.

وبهذا يكون الاهتمام الكبير بلغات الأم في العالم من متطلبات حركة التنمية الثقافية والمحافظة علي الإرث الثقافية ،والتي تميلها نوازع حاجات تلك المجتمعات للتعبير والتفاهم والكتابة وتبادل المشاعر والأفكار الأساسية

وتشير الدراسات والبحوث الصادرة من اليونسكو في هذا الصدد إلي إن العالم يتكلم سكانه بما يزيد عن ستة آلاف لغة 700 منها يتهددها اليوم الانقراض والاندثار وهو الأمر الذي يتسبب في خسارة البشرية منظومات هائلة لغوية وثقافغية بأكملها بسبب الإهمال التي عوملت بها هذه اللغات من مجتمعاتها والمنظمات المعنية أضف إلى ذلك هيمنة بعض اللغات الحية القوية على لغات الأم في بعض المجتمعات في العالم .

ومن منطلق الوعي بهذه الحقائق وإدراك ضرورة القيام بالعناية والتطوير للغات الأم لدينا وتفعيل حضورها وتوسيع نطاقها استخدامها في مجالات العلم والثقافة والأدب ، احتضنت جمهورية جيبوتي فعاليات المؤتمر السادس لنادي الكتّاب الصوماليين في أواخر شهر ديسمبر المنصرم والمكرس لخدمة اللغة لصومالية والنهوض بها في كافة الأقاليم الصومالية في دول المنطقة وكان الأمر اهتماماً بها وانتصاراً لها ليس تعصباً ولا انغلاقاً حضارياً بل ظلت الحاجة إليها كقضية استراتيجية في المقام الأول قضية تمس الأمن الثقافي والحضاري للغة الصومالية ومجتمعاتها في دول المنطقة وذلك مما يحتم تضافر جهود الصوماليين للمحافظة على لغتهم وإثراء كافة جوانبها العلمية والأدبية والتاريخية، كما أصبح ذلك واجباً ورسالة وضرورة تحتمها مسؤولية الحفاظ علي الهوية والخصوصيات الثقافية للمجتمع وخاصة أؤلئك المغتربين في بلدان المهجر من ابنائه.

هذا وإن اقامة مثل هذا المؤتمر الذي احتضنته بلادنا بمشاركة العشرات من الشعراء والأدباء والكتاب والمؤرخين والخبراء والباحثين والباحثات والفنانين الصوماليين الذين قدموا من مختلف الأقاليم الصومالية في دول المنطقة، وكذا المغتربين في دول المهجر يعطي لنا الإشارة القوية لاستيقاظ الوعي الصومالي والاهتمام البالغ للحفاظ على لغتهم وثقافتهم وارثهم الحضاري في دول المنطقة وفي العالم ، وتوفر الإرادة السياسية الواعية والمؤمنة بدعم لغتهم والنهوض بها لتواكب مستجدات العصر كما يمثل هذا المنتدي دعوة لتضافر جهودنا جميعا في سبيل في تمكين لغة الأم من استيعاب التطور المتسارع لأدوات العصر والحداثة في مختلف المجالات والعمل علي الارتقاء بها لمستوي يلامس تطلعاتنا في تقدم وازدهار لغة الأم وتخليدها بتطوير وتخليد.

ولا استبعد في هذا الصدد أن يعتقد البعض منا ما أقوله تضخيما او يعتبر هذا الأمر الذي أتحدث عنه مبالغة لكن الأمر أكثر وأعمق من ذلك بكثير فلغة الأم هي من مقومات حياة وفكر الإنسان على الأرض وكينونته وسر وجوده ، بصفتها عنوان هويته ومستودع تراثه واداة إبداعه الفكري وعطائه الحضاري وهي روح الأفراد والجماعة التي تكسب الجميع حساً مشتركا وإحساساً بالخصوصية والتميز .

وفي هذا الصدد لابد من التأكيد علي انه لا يمكن للغة شعب ما أن تبقى وأن تتطور إذا لم يستخدمها هذا الشعب كلغة للحياة اليومية كتابة وقراءة وتواصلاً وتوظيفاً .

وللحديث بقية في العدد القادم

سليمان عبد الله علمي