في صباح غائم جزئيا، خرجت من بيتي متأخرا أقصد العمل، أديت تحية الصباح لجاري الذي انتظرني طويلا أمام الباب بعد عطل فني أصاب سيارته، كانت زخات المطر المتساقطة تزداد شيأ فشيأ، هممت بسرعة إلى سيارتي المركونة على بعد أمتار من باب بيتي هربا من البلل، بعد إعطائي إشارة سريعة لجاري الذي لحقني إليها... ياللهول -  يبدو أنني أبدأ يومي من جديد مرة أخرى وباستمرار بمداعبة الشبح الذي طالما يتبعني كظلي، يطاردني أينما أكون، دون أن يفصلني عنه الزمان و المكان، حيث ما حللت ،نعم لا فكاك لي منه، مستحيل!، كأنه قطعة مني !، إنه شبح النسيان أيها السادة !!! دائما يجثوا بثقله على رأسي، دون رحمة أو إشفاق... بعجالة نزلت من السيارة لاستحضار جوالي من حيث تركته في البيت، كانت المفاجئة، أنني أمام محاكمة صعبة تستأنف ضدي غيابيا بأقصى العقوبات، حضوري المفاجئ راكم بلا شك من إدانتي،... جثوت بركبتي معترفا بجرمي ، لم أستطع النظر إلى تلك العينين الصغيرتين البراقتين اللتين تحاصرهما الدموع المتلألئة  حد الأهداب الصغيرة، كأنها تعوم وسط حوض من اللؤلؤ،أكستها نظرات العتاب البادئة وراء تلك اللآلئ المتجمعة من وراء الأهداب جمالا كأنها لوحة فنية بديعة، ... بعطف أبوي أردت أن أضمه إلى صدري على سبيل إلهائه بعد نسياني أن أطبع على خده الصغير تلك القبلة التي عودته إياها أثناء مغادرتي البيت كل صباح للعمل، حرك كتفيه الصغيرتين بعناد تعبيرا عن غضبه وبحركة ملائكية تراجع خطوة إلى الوراء، أدركت أنه مصر على معاتبتي بل ومعاقبتي على هذا الخطأ الذي ارتكبته، لا شيء بالمجان حتى في عالم الصغار لابد أن تعترف بأخطائك أولا... ومن مساوئ النسيان ياسادة أذكر فيما أذكر ذات مساء عرجت على محل لبيع الإلكترونيات وأنا أهم باختيار نوعية مناسبة من الهواتف النقالة بعد ما خرب هاتفي العجوز ناولني صاحب المحل ثلاثة أنواع من الهواتف وانصرف بعدها إلى زبون آخر، اخترت إحداهما أنتظر صاحب المحل للمساومة ، فجأة خطر على بالي موعد مهم مع أحد الأصدقاء، خرجت من المحل مهرولا، لاحت لي في الرصيف المقابل للمحل سيارة تشبه سيارتي، انطلقت نحوها... بينما أدير المفتاح لفتح باب السيارة يأتيني من وراء الشارع صوت مجلجل أشبه ما يكون صياح التفت إلى مصدر الصوت فإذا برجل طويل ضخم الجثة يلوح بيده نحوي بحالة هستيرية ألتفت أمامي مرة أخرى لا أرى من يستجيب لصياحه بين المارة ! قلت في نفسي متسائلا: وأنا منزعج من عناد باب السيارة الذي لم ينفتح بعد رغم تقليبي المفتاح عدة مرات  – يإلهي- متى نسلم  من همجية هؤلاء الحمقى؟ يبدوا أننا لا نسلم منهم لا في المقهى  ولا في الشارع !، ترى لم يصيح هذا الرجل الضخم في وسط الشارع بهذه الطريقة؟  وأنا أركل بغضب باب السيارة فجأة أسمع الصوت بقربي يجلجل ألتفت نحوه باستغراب وأنا مندهش ! فإذا بالوحش يقف أمامي يصب جام غضبه على رأسي للوهلة لم أفهم شيء من كلامه تجمدت في مكاني بينما هو يفرغ كل ما يحوي قاموسه من السب واللعن في وجهي، بعصبية يمسك يبده اليسرى معوز يكاد يفلت نسفه إلى الفخذ يظهر كرشه المتدلي إلى أسفل الصرة مهتز كأنه مكهرب، وبيده اليمنى يحرك سبابته على صدغه  للاستفهام عما إذا كنت مصابا بشيء من الجنون أم لا ؟! ... أدركت أنني في موقف صعب وفي مكان خطأ تأكدت وقتها، أنني تركت سيارتي في الشارع الآخر، وهذه السيارة إذا ليست سيارتي والرجل محق في غضبه، تحركت خطوتين إلى الجهة الأمامية للسيارة أتفحص الرقم ومن ثم تظهر لي  من وراء الزجاج الأمامي للسيارة فروة من الجلد تغطي الكراسي لا تعود إلى سيارتي، أنفجر ضاحكا على حالي وبالموقف الذي تورطت فيه ، غير أن صاحب السيارة فقد أعصابه مع إطلاقي ضحكة،.. يبدوا أنه شعر بإهانة واستهبال من رجل ترك ذاكرته في حقيبة ظهره! تركته يزمجر ويتوعد وأنا ذهبت إلى حال سبيلي. جلست في زاويتي المفضلة في المقهى أنتظر قهوتي بفارق الصبر يجلس في المقعد المجاور لمقعدي رجلين أحدهما ثرثار ضخم الجثة قصير القامة عريض المنكبين يمضغ أوراق القات يظهر عليه أنه لم ينم طول الليلة وعرضها يواصل مضغ القات، والغريب في الأمر قدرته للمحافظة على المرح والتوازن ، والأخر نحيف متوسط القامة هادئ الطبع يبدوا من ملبسه أنه يعمل حارسا لدى شركة ( أجي أس ) يستمع إليه بفتور، أنزعج من حديث الرجل أهم للوقوف والبحث عن زاوية أخرى أجد المقهى مكتظا أجلس رغما عني، وقع في مسمعي أنه يتحدث عن المال بدأت أسترق السمع إليه ما فهمت منه أنه يحتفي بسرقة حقيبة وجد فيها الكثير من المال لم أتأكد بالضبط كم من المبلغ، وكل ما فهمت منه أنه سرق حقيبة من سيارة توقفت له وقت الظهيرة في الطريق العام، غضبت وتركت المكان دون أن أنتظر القهوة وقلت : النسيان هو السبب - اللعنة - صاحب السيارة تركه داخل السيارة ليشترى شيأ من الدكان ونسي الحقيبة بينما الملعون استفاد من الفرصة ولاذ بالفرار، خرجت من المقهى وأنا غاضب فإذا بصاحب السيارة التي تشاجر معي يركن سيارته وراء سيارتي، نظر إلى بدهشة وأنا أضحك وأشير بيدي إلى سيارتي هو الآخر يشاطرني يضحك!