أنتجت القارة الأفريقية العدد من الأدباء والكثير من الكُتَّاب الذين أثروا بكتاباتهم الأدبية وأعمالهم الإبداعية الساحة العالمية، وسطروا أسماءهم بأحرف من نور، وتركوا بصماتهم في أروقة الفن والأدب، ونالوا أرفع الجوائز الأدبية العالمية، وتسنموا أعلى المناصب في عالم الكتابة والأدب، ومن هؤلاء الأدباء الأفارقة كثيرون ينحدرون من شرق القارة الأفريقية وتحديداً ما يسمى جغرافياً بمنطقة القرن الأفريقي، وفي هذه المقالة سأتناول واحداً من هؤلاء على سبيل التمثيل بالأدباء الكبار لهذه القارة الحبيبة.

الأديب الذي سأتناوله في هذه المقالة هو الأديب نور الدين فارح الصومالي الذي يعدُّ أحد أهم الرموز الأدبية العالمية في العصر الحاضر، ومن أفضل الكُتَّاب الأفارقة الذين كتبوا بالحرف الإنجليزي، وإليه يرجع الفضل في تعريف الصومال بالعالم أيام التمزق والتشرد والضياع كما يرجع إليه الفضل في كسر الصورة النمطية الشفهية التقليدية التي كانت سائدة في الصومال إلى الصورة الحضارية الكتابية، ولد هذا الأديب في مدينة بيدوا في جنوب الصومال عام 1945م ونشأ وترعرع فيها حيث تعلم اللغة العربية في المدارس الإسلامية مساء كما تعلم اللغة الإنجليزية من المدارس المسيحية صباحاً فجمع بذلك تلاوة القرآن وقراءة الإنجيل، ولغة شكسبير ولغة المتنبي في الآن نفسه، كما حفظ كثيراً من التراث الشعبي الصومالي عن طريق الأراجيز التقليدية والأشعار الشعبية التي كان يتلقاها من والدته التي كانت شاعرة شعبية تحيي المناسبات الاجتماعية.

وعندما بلغ العشرين من عمره حصل على منحتين دراسيتين إحداهما من الهند لدراسة الأدب والفلسفة والأخرى من أمريكا لاستكمال محاضرات ودروس في الأدب الأمريكي في إحدى جامعات ويسكونسين ففضل الأولى لتأثره برواية (حد الموسى) لوليام سومرست التي تناولت الهند والحضارة الهندوسية، وفي الهند تزوج امرأة هندية وانطلق منها أولى نتاجه الأدبي؛ ولأن الأفكار الجريئة التي حملتها بعض رواياته لم ترق للنظام الصومالي الحاكم آن ذاك فقد نفي عن بلده وعاش مغترباً  22 عاماً يجوب العالم كاتباً وسائحاً ومعلماً، وذلك المزيج من الثقافات المختلفة والخلفيات المتباينة كان وراء تكوين الأديب الكبير نور الدين فارح الذي أصبح فيما بعد أديباً عالمياً يشار له بالبنان، فقد أنتج أكثر من 11 رواية ترجمت لأكثر من 14 لغة عالمية، كما نال العديد من الجوائز العالمية منها وأكبرها جائزة نيوستاد الأدبية التي حصل عليها عن مجمل أعماله عام 1998م وهي جائزة تمنح للأدباء المبدعين كل سنتين، وتعدُّ ثاني أكبر جائزة بعد نوبل، كما رشح الأديب لنيل جائزة نوبل غير أن الحظ لم يحالفه للفوز بها.

تناول نور الدين فارح في رواياته العديد من القضايا والأفكار التي استقاها من بيئته الصومالية حيث شخصيات رواياته وأحداثها كلها منها فهو يرى أن كل إنتاجه الأدبي ما هو إلا «مجرد رواية طويلة تدور أحداثها في مكان واحد هو الصومال رغم أنها تباع كروايات منفصلة». ويقول عنها أيضاً: «البلد الذي أتحدث عنه في كتبي هو بلد أحلم به، وتدور أفكاري حوله»، فسخَّر نور الدين قلمه لبلده متحدثاً عن أهم قضاياه وأبرزها التي منها الحركة النسوية وتحرير المرأة من سلطة الذكورية ومن القمع الذي كانت تتعرض له، وعن الهم السياسي الوطني في بلده الصومال، وعن الهجرة والمنفى والاغتراب، وعن الإرهاب والتشدد الديني، ومن الروايات التي حملت هذه المضامين: (من ضلع أعوج 1970م)، و(وإبرة عارية 1976م) عن تحرير المرأة، وثلاثيته: دماء في الشمس (1986-1998م) التي اشتملت على الروايات: خرائط 1986م، وهدايا 1990م، وأسرار 1998م. عن الهم السياسي الوطني. وثلاثيته: العودة إلى الصومال (20030-2011م) التي ضمت رواياته: صلات 2003م، وعقد 2007م، وعظام 2011م. عن الهجرة والغربة والمنفى.

في الوقت الحاضر يعيش نور الدين فارح وعائلته في مدينة كيب تاون بجنوب أفريقيا وهو عضو في نادي القلم في جيبوتي، وإيماناً من الحكومة الجيبوتية ممثلة بوزارة الثقافة بمواهب الأديب وقدراته الإبداعية فقد استقطبته؛ للمشاركة والإسهام في الجهود الحكومية للنهوض بالأدب والسينما الجيبوتية المحلية.

محمد شاكر عرب