شعور بالارتياح والابتهاج يسيطر علينا، ونحن نرى الحياة اليومية للسكان قد أعادت إلى طبيعتها في بلادنا، بعد فترة عصيبة عانينا فيها من تداعيات الموجتين الأولى والثانية لجائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، والقيود التي فرضها على الجميع. 

فعلى غرار ما نشاهده عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي من تشديد تدابير الحاجز في كثير من بلدان العالم، لا تجد في أسواقنا أو أحيائنا أو في مساجدنا-في الغالب الأعم – من يرتدي كمامة أو قفازة أو يعير قواعد التباعد الاجتماعي أدنى اهتمام، وكأننا نعيش في كوكب آخر غير كوكب الأرض الذي يُصارع هذا الوباء الفتاك من أجل البقاء. 

بيد أن هذه السعادة التي تغمرنا لا تلبث أن تفارقنا في لحظات بعد ورود أنباء عن ظهور متغير أو متحور جديد من الفيروس التاجي، أو اندلاع موجة جديدة هنا أو هناك، تنقل إلينا الصحف بأشكالها المختلفة الأنباء غير السارة. 

فعلى سبيل المثال لا الحصر، وقفتُ بالأمس القريب أثناء تصفحي موقع الجزيرة نت الإخباري نبأ بعنوان « كورونا تهدد تعافي الاقتصاد العالمي.. موجة وبائية غير مسبوقة بتونس وإصابة رئيس وزراء الجزائر، وقبلها بأيام طالعتنا الأخبار أن روسيا سجلت أعلى حصيلة إصابات يومية منذ بداية العام... 

ليس هذا فحسب، بل يواصل تفشي وباء كورونا حول العالم حصد مزيد من الأرواح، حيث تجاوز إجمالي الوفيات 3 ملايين و915 ألف حالة وفاة، فيما تجاوزت حصيلة الإصابات 181 مليون إصابة، وفقا لموقع وكالة الأنباء التركية. 

هذه الأخبار شبه اليومية تكاد في الحقيقة أن تصيبنا بخيبة الأمل، وتفسد علينا تلك النشوة التي جعلت السواد الأعظم منا ينسى -أو يتناسى على الأقل- أننا تعرضنا لخطر هذا الوباء ـ ومن ثم عانينا إجراءات الإغلاق العام التي اتخُذت لصالحنا، لإنقاذنا من سهام عدوٍ خفيٍّ، لا يُرى بالعين المجردة، ووحش كاسر لا يبقي ولا يذر، لا يترك شيئا ثابتا أو قائما. 

في هذا المقام، نتذكر كيف أن الموجة الأولى من فيروس كورونا، قد حولت حياتنا إلى ما يشبه الجميع، إذ سيطر الخوف علينا والهلع من مغبة الإصابة بهذا الداء، فامتنعنا من مغادرة منازلنا حتى لتأدية الصلوات المفروضة، فضلا عن ممارسة حياتنا بشكل طبيعي. 

لقد نجحت بلادنا في كبح جماح الموجة الثانية من الوباء، الذي لا يزال يوقع المزيد من الضحايا في شتى بقاع العالم، وتجاوز تداعياته بفضل الجهود التي بذلتها السلطات الصحية، واستجابة السكان للتعليمات الصحية، والحصول على اللقاحات المضادة للفيروس المستجد، لكن الخطر لا يزال قائما نظرا لسهولة انتقاله بين بني البشر. 

لقد سرني كثيراً الاقبال منقطع النظير على أخذ اللقاح، خاصة وأنه الوسيلة الوحيدة لتفادي خطر الوباء، حيث بدا لي وكأن الجميع قد تبنّه أخير للأزمة الصحية وأدرك حجم ضررها على النفس البشرية، بل وتيقن أن لا مخرج منها سوى الحصول على التطعيم. 

في هذا الصدد تكتظ الخيمة المقامة في باحة قصر الشعب، وغيرها من المراكز المخصصة لتطعيم السكان يوميا، بالمئات من المواطنين الراغبين في أخذ الجرعات، مشهد يعكس تنامي الوعي بالخطر المحدق بنا، وانقياداً لتوجيهات رئيس الجمهورية، الذي تلقى اللقاح منذ الوهلة الأولى من وصوله إلى بلادنا في شهر مارس الماضي في بادرة جديرة بأن يُحتذى بها. 

أخيرا أعتقد جازما أن علينا جميعا البقاء يقظين، واتخاذ الاحتياطات الضرورية، وإدراك أن الوضع الذي نحن فيه اليوم هو وضع لا يمكن حله إلا من خلال الإجراءات التي أثبتت جدواها، والتي لم تعد تخفى على أحد، كما أن علينا متابعة تطورات الجائحة ومستجداتها أولا بأول، إذ لسنا على دراية متى ستداهمنا موجة جديدة من الوباء. وقبل هذا وذلك علينا الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله بأن يجنبنا والبشرية جمعاء معضلة كورونا التي أزهقت أرواح الملايين وشلت الاقتصاد العالمي، وقلبت الأمور رأساً على عقب. 

 

بقلم الإعلامي / 

محمد عبد الله عمر