منذ فترة غير قصيرة، وأنا أفكر بتسليط الضوء على هذا الموضوع «الإفراط في استخدام الهواتف الذكية» والذي بات يقلقنا جميعاً، آباء وآبناء، بعد أن استحوذ هذا الجهاز على جُل أوقاتنا، إلى درجة لم نعد نجد وقتا للاسترخاء والتنزه أو زيارة الأقارب والأحبة، بيد أن شواغل الحياة كانت تحول دون ذلك، ولا شك أن الهاتف الذكي نفسه يتصدر قائمة الانشغالات اليومية، إن لم يكن له الحظ الأوفر منها. 

في الحقيقة، أكاد أجزم أن لا أحد تخفى عليه المزايا الجمة والفوائد العديدة للهاتف المحمول، ولاسيما في عصرنا الحالي، الذي يطلق عليه البعض بأنه عصر السرعة، أو عصر التسرُّع!!! لكن الإشكالية تكمن في نظري الاستخدام الأمثل للهواتف الذكية، ولاسيما بالنسبة للأطفال الصغار، وهل نحن منتبهون للتبعات الصحية الخطيرة لإدمانها، والتي طالما تحدث عنها الباحثون في طب النفس، والذين أشاروا إلى أن ربع الشباب باتوا متعلقين بالهواتف الذكية، ومن ثم أصبحوا غير قادرين على الاستغناء عنها، إلى درجة الإدمان.!! 

نعم.. استطعنا من خلال تلك الهواتف الذكية التخفيف عن الكثير من الأعباء التي ربما كانت تثقل كواهلنا، وإذابة الفوارق الزمانية والمكانية التي كانت تفصلنا عن أهالينا وأصدقائنا في أقصى بقاع العالم بفضل شبكات التواصل الاجتماعي التي تحقق لنا التواصل المستمر مع أفراد العائلة، والجيران، والأصدقاء في أسرع وقت، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو.. هل بالفعل نستغل تلك المزايا، ونستخدم الهاتف الذكي بشكل سليم وفي أنسب الأوقات؟!! 

يبدو لي أن الإجابة على هذا السؤال تكون في الغالب الأعم بالنفي... والرياح لا تجري دوما كما تشتهي السفن... ولعل نظرة معمقة لأحوالنا اليومية لما آلت إليه أوضاعنا، بعد هيمنة هذه الأجهزة على حياتنا، تجعلنا ندق ناقوس الخطر، وندعو في نفس الوقت إلى تدارك الأمر قبل فوات الأوان.. 

في أحايين كثيرة، أجد نفسي كغيري من مستخدمي الهواتف الذكية، أعاني من التيه جراء المتابعة المتواصلة لما هو منشور في الفيسبوك من الصور والمواد الكتابية أو الفيديوهات، التي لا تنتهي إلا بانتهاء الرصيد.. ساعات طويلة هي تلك نقضيها منكبين على هذه المشاهد، حتى نجد الثلث الأول من الليل قد ذهب إلى غير رجعة... فلا نفيق من تلك الغفلة ولا نعتبر.. لكن أمثلنا طريقة هو ذاك الذي يتحسر على الوقت الضائع دون يخرج بشيء مفيد دينيا كان أم دنيويا!! وربما تفوتنا مصالحنا الحياتية والأخروية –وما أكثرها- بسبب الإدمان على الهاتف الجوال.. 

أخيرا أعتقد أن الوقت قد حان لتقنين استخدام الهواتف الذكية ـ والتخلص من سموم التكنولوجيا والرقمية، ولاسيما بالنسبة للأطفال الصغار، وحمايتهم من إدماج الأجهزة اللوحية، واستغلال الأوقات في أنشطة أخرى أكثر نفعاً وفائدة، قبل أن يستفحل الأمر ويخرج عن السيطرة، بل ويتسع الخرق على الراقع، فما المرء –في نهاية المطاف- إلا أياما معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضه، كما قال الإمام الحسن البصري رحمه الله. 

 

بقلم /

 محمد عبد الله