في زيارة مقصودة توجهتُ -هذه المرة- إلى إحدى مكتبات بيع الكتب الكائنة في مركز العاصمة، لأقف عن قرب على ما آلت إليه أوضاعها في الوقت الراهن، مقارنة بتلك الفترة غير البعيدة التي أعتبرها شخصياً بالعصر الذهبي الذي ازدهرت فيه تلك المكتبات. 

التقيتُ بمسئول المكتبة، والذي تعرّفتُ عليه قبل عقدين تقريباً، حين كنت أرتاد مكتبه بصورة منتظمة لاقتناء الإصدارات الجديدة من الكتب الدينية والثقافية، فضلا عن كتب الروايات والقصص الأدبية التي كان لها النصيب الأوفر بالنظر إلى غيرها من المؤلَّفات. 

سألته دون مقدِّمات، كيف تسير الأمور في مكتبته؟ فكانت مبهمة نوعاً ما: لا بأس لا جديد في الأمر.. وبدا لي أنه أراد ألا يصدمني بواقع مرير تعاني منه هذه المؤسسات على مدار السنوات الأخيرة، واللبيب بالإشارة يفهم. 

ولأن إجابته لم تكن مفصلة بالقدر الذي أردتُ، قلت له مستفسرا عن الوضع الحالي: هل ما يزال الإقبال عل على شراء الكتب ضعيفاً للغاية، أم أنكم ترصدون تحسناً نسبيا وعودة تدريجية لاقتنائها من قبل الشباب وطلبة العلم؟  

سبق وأن أخبرتُك بإيجاز غير مخل أنه لا جديد في الأمر، قالها مرة أخرى، وأضاف في نبرة لا تخلو من القتامة وطافحة بنوع من اليأس، كنا في الماضي القريب نستقبل في اليوم الواحد عشرات الأشخاص وغالبيتهم من الشباب الراغبين في شراء الكتب بمختلف علومها ومجالاتها، بيد أن ذلك أصبح الآن خبر كان- إذا صح التعبير- ومع ذلك فإننا لا نزال نأمل أن تعود الأمور إلى سابق عهدها.. ربما قريباً. 

قلت في نفسي إذا كان الإقبال على اقتناء الكتب قد تراجع إلى هذا المستوى، لكثرة الانشغالات والبلوى التي أصيب بها الناس، فلا غرابة إذا أن يعزف شبابنا عن القراءة والمطالعة، ويهملوا تلك الوسيلة التي لا ينمو العقل البشري إلا بها. 

لقد سبق وأن أكدنا في المقال السابق، على الأهمية الملموسة للقراءة لتنمية العقل البشري، كيف لا وهي تزوده بالمعارف والعلوم التي تعزز بدورها رصيده المعرفي والعلمي والثقافي والفكري، ومن هذا المنطلق أعتقد جازماً انه يتحتم علينا تغيير عاداتنا غير المحمودة ونمط حياتنا اليومية لتخصيص جزء من وقتنا للمطالعة والفكر. 

أخيرا لتنذكر قول المعلمة الأمريكية كاثارين إستر بيتشر : إن المكتبة ليست من كماليات الحياة بل من لوازمها ، ولا يحق لإنسان أن يربي أولاده بدون أن يحيطهم بالكتب. 

بقلم / 

محمد عبد الله