تلقيت  علبة مربعة الشكل … بنية اللون … مزينة بخطوط دائرية وردية… مطقمة بفصوص لامعة من لونها …كتب على وجهها ألف مبروك …والحق يقال العلبة تجذب النظر وتثير الفضول… تخيلت للوهلة الأولى أنها جائزة حصل عليها الشخص الذي قدمها لي من مسابقة لم أكن أعرفها…

تملكني شوق و لهفة لمعرفة ما بداخلها…فتحت العلبة على عجل…فإذا بمصحف من نفس لون العلبة مفروش له قماش حريري لامع…فبدى لي أجمل من ماسة ترقد في صدفتها محاطة بالأمان لا تهاب يدا تطولها… ولفتتني الكلمات الشعرية المكتوبة على ظهر غطاء العلبة ،ومضمونها بعد الترجمة حسب فهمي يقول : بكلمات حلوة …ولحظات من السعادة … بنظرات متبادلة …وبهجة متجانسة منسجمة …وفرحة مضاعفة…والنجوم في الأعين … يدا بيد نسير معا نفس الطريق… لنكلل جمال سحر الحب ونتوجه بحياة سعيدة إلى الأبد، وخُتم هذه الكلمات الجذابة بأن أسرة فلان وعلان تتشرف بدعوتكم لحضور فرح ولديهما فلان وفلانة الذي سيتم عقده في المكان الفلاني …

سعقت من الدهشة ! واستولى الإستغراب على فكري ! أمصحف كبطاقة دعوة ؟! وقلت في نفسي إن فرحة الأسرة بزواج أبنائهم ومكانتهم الإجتماعية وحبهم لهم التميز على أقرانهم في كل شئ حتى في بطاقات الدعوة يدفعهم إلى الوقوع في الخطء بحسن النية في بعض الأحيان ،

ونعلم أن بطاقات الدعوة ليست سوى ورقة رمزية تستخدم لدعوة شخص ما لحضور حفلة أو إعلان عن الزواج كما يقول إسمها …

ومع تطور الحياة بدأت تأخذ أشكالا وتصاميم مختلفة تناسب العصر الحديث الذي يعطي الشكليات و الكماليات أهمية و مكانة الضروريات …وبدأت تنافس البطاقات المصنوعة من الأوراق والورود الطبيعية والمجسمات التذكارية بمختلف أنواعها وأشكالها البطاقات العادية والتي برغم التكاليف التي تنفق فيها والأهمية التي يولونها يكون مصيرها سلة المهملات أو ركن بيت أو مكتب على أكثر تقدير ، صحيح أن كثير من الناس يعتبرون بطاقات الدعوة لا تقل أهمية عن تفاصيل الحفلة و أنها البوابة التي تحدد نوع و مستوى العرس ، ولكن كيف يمكن إستخدام مصحف أي كلام الله ومنهج المسلمين كجزء من بطاقات الدعوة التي تقدم للجميع ؟ أليكون زينة البيت أو المكتب؟! أم ليكون ضمن الأشياء المركونة على جانب ، و إن كنا لا نشك في أن الدافع هو الإجلال لكتاب الله وتيمنا به وحُبا له و لكنه من الحب ما قتل ،فهناك طرق أفضل للتعبير عن هذه المشاعر تجاه كلام الله والمتمثل في ترطيب القلوب بتلاوته، وتعمير العقول بالتدبر في معانيه، والسمو بالخلق بتجسيد تعاليمه وتمثل قوله تعالى في هذا المقام (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) و قوله (وجعل بينكم مودة و رحمة)، إن الأمر يحتاج إلى مسؤلية ، لأن العلبة أو بطاقة الدعوة وصلت إلى يدي بسبب عدم معرفة صاحبها ما يصنع بها أو كيف يتعامل معها ، مفروض علينا أن نتذكر أن القرآن منزل من فوق سبع سموات على الحبيب مصطفي صلى الله عليه و سلم ،ومن أجله حارب ومعه الصحابة الأجلاء رضوان الله عليهم ، ولا يليق بمكانته و قدسيته استخدامه كجزء من بطاقات الدعوة ، فإذا قال العلماء أن استخدام الآيات القرآنية كرنات للموبيلات لا تليق ولا تجوز ، لأن الشخص قد يرد على المكالمة قبل أن يكمل الآية إلى آخرها ،أو قد يرن التلفون والشخص في مكان غير مناسب كالحمام ، فما بال المصحف نقدمه كبطاقة دعوة ، ولا أعتقد أننا نختلف أن مكانته أكبر من ذلك بكثير.

 بقلم / جمال أحمد ديني