رغم تلك الصور قاتمة السواد والتي تطفح بقدر كبير من اليأس والقنوط بشأن عزوفنا عن القراءة والمطالعة، والتي تطرقنا إليها في العديدين الأخيرين، وكذلك الإحصاءات الأممية المحبطة عن واقع القراءة في عالمنا العربي على وجه الخصوص، والتي تدعو إلى القلق الشديد، إلا أن هناك نماذج مشرقة تبعث على التفاؤل، وتبشِّر بمستقبل زاهر، قد لا يلوح في الأفق على الأقل في الوقت الراهن.

كثيرة بالفعل، تلك الدراسات والإحصاءات الصادرة من هنا وهناك، لتدعونا إلى وقفة جادة، والتنبه للخطر المحدق بعقولنا، بعد التخلي عن الاطلاع والتزود بالمعارف والعلوم التي توسع مدارك وقدرات العقل.

في هذا الصدد خلُص مؤشر القراءة العربي الصادر بالتعاون مع الأمم المتحدة أن الإنسان العربي لا يقرأ سوى عدة سويعات سنويا، كما أن معدل القراءة في العالم العربي لا يتجاوز - على سبيل المثال - 4 في المائة من معدل القراءة في إنجلترا بحسب دراسات التنمية الصادرة عن مؤسسة الفكر العربي في القاهرة.

وعلى الرغم من تلك المشاهد المأساوية -إذا صح التعبير- إلا أن الأمل في أن يتغير هذا الوضع - وإن بعد حين - إلى الأفضل سيظل قائما، كيف لا وفي بطون المآسي يولد الأمل، كما أن هناك العديد من النماذج النيرة والتجارب المميزة، والخبرات الرائعة الجديرة بالاحتذاء.

منذ أيام قلائل التقيت بالدكتور عمر موسى، المدرِّب في مركز عمر جيله لتكوين معلمي التعليم الأساسي التابع لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، وهو يـُمثِّل -في نظري- صورة مضيئة زاخرة بتجربة بالعطاء، بالمثابرة وبالبذل الأكاديمي والمهني.. تجربة حياتية حافلة بالفكر والثقافة، قد تستعصي على الكثير منا ممن قيَّدتهم الانشغالات، واستحوذت عليهم لتشكِّل في نهاية المطاف سدّاً منيعا يحول دونهم والقراءة المفيدة.

من دون شك، كان هذا اللقاء بالفعل بمثابة فرصة لا تفوَّت، بالنسبة لي وربما لأمثالي الذين لم يعد في وقتهم متسع للقراءة والاطلاع، فطالما رغبتُ في أن أنهل من هذا المورد العذب.

يقول الدكتور إن القراءة -في مفهومها المعمق- عبارة عن عدد من العمليات التفاعلية بين القارئ والنص، حيث يستخدم القُراء معرفتهم لبناء المعنى وخلقه وتكوينه.

وفي معرض حديثه الشيِّق عن الفوائد والمنافع التي جناها هو شخصياً من القراءة، يؤكد أنه لا يمكن حصرها في هذه العجالة، مضيفا «أعتبر القراءة قبل كل شيء بمثابة عبادة جليلة تقرِّبني من المولى جل في علاه، خصوصا فيما يتعلق بقراءة القرآن الكريم والكتب الدينية، راجيا كذلك الأجر والمثوبة من عند الله تعالى.

وتعليقا على ذلك يشدد العلماء على أهمية قراءة القرآن الكريم، فهي من حسن برّ المسلم بكتاب ربه، وتجديد عهده معه بشكل يومي، فلا يكون له هاجرًا ولا لأحكامه معطلًا، كما أن انتظام المسلم بتلاوة القرآن الكريم بشكل يومي، يترتب عليه آثار عظيمة النفع على المسلم.

كذلك فإن القراءة ولاسيما المتعمقة تعزز دون أدنى شك من رصيدي العلمي والمعرفي، يقول الدكتور، مشيرا إلى أنها تمنحه الفرصة للعيش مع أمم عاشت في قرون مضت، واكتساب المعارف والخبرات التي ينقلها إلينا –عبر الكتب والمؤلَّفات-الكتَّاب وأرباب القلم الذين يقطنون في مناطق جغرافية بعيدة للغاية عن مناطق تواجدنا، وأكثر من ذلك تزيد القراءة من فرحتي وخيالي، وتنيرني دائمًا على طريق المعرفة.

في ختام هذا الجزء من الحديث والمتعلق بالفوائد الجمة للقراءة، لفت الدكتور عمر موسى انتباهي إلى نقطة غاية في الأهمية تستحق منا أن نعيرها الاهتمام اللازم، قائلا» القراءة تسهل علي أداء واجباتي، كما تساعدني على تربية فلذات أكبادي باتباع أسس التربية الصحيحة، ومعالجة الكثير من القضايا التي تعيق تربية الطفل.

أخيرا نجدد الدعوة لمراجعة نمط حياتنا اليومية، ووضع حد لعزوفنا غير المبرر عن القراءة، من خلال تخصيص أوقات معينة للقراءة-وإن قصرت- ليس لأنها تنمي فكر القارئ وتمكنه من اكتساب الخبرة في مختلف نواحي الحياة، ولكن –بحسب موقع موضوع الالكتروني- لأنها أداة التطور والمعرفة التي يجب على الإنسان ألّا ينقطع عنها، بأي حال من الأحوال، بل عليه أن يحرص على أن يكسبها لأولاده ليتخذوها عادة جميلة من بعده لتزيِّن حياتهم بالمعرفة، وتكون سبيلاً في تقدّم المجتمعات وتطوّرها..

وللحديث مع الدكتور عمر موسى بقية

 

بقلم/ 

محمد عبد الله