إنّ الكتابة تُكسب صاحبها الفضول وحب المعرفة  لمكنون النفس البشرية وما يَختلِجها من مشاعر وأحاسيس، يدفعه – الفضول الكتابي - إلى البحث والتدقيق في ملامح البشر وكل ما يدور فيها وحولها، لا يكفيه ولا يكتفي بالمظهر الخارجي وإنما يتوغل إلى الاعماق حتى يَغُوص وينغمس في مكامن النفس والصور المعروضة أمامه وبهذا يختلف عن المصوّر الذي يتحيّن الفرص ليلتقط صوراً تعكس ظاهرا الأشياء؛ كالفرح الظاهري أحيانا أو الحزن البادي دون إدراك المسببات والخلفيات.

دفعني هذا الفضول الكتابي إلى الاستماع (الأصح: إلى الاستراق) لمسنَين  جاورتهما في لطاولة  بمقهىً لا يرتاده سوى نفر من الطبقة فوق المتوسط من المجتمع، رغم الشيخوخة الظاهرة على ملامحهما من أثر التجاعيد والتي حاولتْ المسنة تخفيفها بالمكياج، لكن  يبدو من الصورة أنّ الزمن لم ينل من شباب روحيهما، دائمي الضحك والمرح، وكأنهما مراهقان في مقتبل العمر .. يقاسمها الزوج قطعة الحلوى، ويقدم إليها، وما يبقى على الملعقة يضعه في فيه مستمتعا.

سمعتُها تسأله:

أتحبني بعد هذا العمر الطويل؟

ألم تتغير مشاعرك تجاهي؟ .. (سألته وعيونها تلمع بريقا قمريا).

تَصفّح ملامح وجهها وجال بين قسماته وتقاطيعه؛  وبين تجاعيد جلدها المسن؛ فآنس في تعبير وجهها مخزونا من الحب وشلالا من الأحاسيس تتدفق، أجابها مبتسما: «أنتِ الحب الذي لا يستسلم للعمر، ورغم السنين ستظلين حبي الذي لا يشيخ.. فأنتِ تزدادين جمالا كلما نكبر، تنمو أجسادنا وأنا فيك أزداد تعلقا وهياما.

الحـــــــــــــــــــــــــــــــــــوار الجميل والشيّق بين المسنَّين اقتحم روحي وأعادني إلى، واستعادتْ ذاكرتي موقفاً بيني وبينك، إذ صارحتك يوماً دون مقدمات وأعلنتُ عليك إدماني ...

قائلا:  أحبك.

بسؤال آخر رديتِ والابتسامة تنير وجهك القمريّ .. أتحبني حياتي؟

نعم .. (أجبتُكِ)؛ أحبك بكل نفسٍ.. في الشهيق أحبكِ وأنعش رئتاي وبالزفير أّخلي روحي من منغصّات الحب، أحبك بكل دقة قلب ونبْضٍه وفي كل ثانية ولحظة بالحياة. أحبك في سكونك - فرحا كنتِ أو متضايقة، مختنقة - وفي تقلباتك المزاجية أحبك.

وكما قال أنيس شوشان الشاعر التونسي:

«أحبك على طريقتي

فأنت حبيبتي و عشيقتي

أنت جنوني و فلسفتي

و حبك هو كل حقيقتي»

 

دمعتْ عينيك وهمستِ قائلة ألهذه الدرجة هائمُ وتحبني .. فحضتني حتى الاختفاء.

____________

 

عــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن جمال الحبيب

 

 لم أفصح إليك ما يصنعه جمالك فيّ؛ وهذا عيبي في الحب؛ إنني أخشى البوح به ، وتغلبني شرقيتي، نحن الشرق الذي يرى في المصارحة والمكاشفة في الحب وعن الحب للمحب نقصا وضعفا وانتقاصا للرجولة.

حبيبتي أمـــــــــــــــــــــــــــل .. لم أُعْلمكِ يوماً بأنكِ (ترمو-الجمال) الذي أقيس من خلاله مدى روعة جمال الأشياء وحسنها إلى حسنك - جمال المناظرٌ الخلاّبة، خيوط الشمس الذهبية وهي تحتضن البحر ساعة المغيب، وجمال القمر المعانق لزرقة السماء حين يكتمل –  ثم أتمتم في داخلي معترفا ومقرا ما أجملك سيدتي.

وحين أصادف موقفاً للتحرش بفتاةْ أو فتاة تتحرشْ رددتْ في  نفسي، ما قاله السالم في ديوانه «أحبك وكفى» لحبيبته إذْ يقول:

 

«عيناك يا لهما من قناصين ماهرين

أصابتا قلبي بلحمة

قتلتا النساء في صدري بغمزة.»

 

حبيبتي أمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل

أنت الجمال ..

وفي عينيك أُختزل الحب.

--------

 

بقلم / الكاتب والقاص

 حمد موسي