الصداقة والحضور الكاذب

‏»أيقتلك الغياب؟!  أنا يقتلني الحضور الباهت الذي يشبه العدم»

محمود درويش

بليغة هذه العبارة وكاشفة زيف العلاقات البشرية في مجتمعات اللا أخلاق، وكما تكشف زيف الوجود والتواجد الجسماني، هنا درويش يعرّي الحضور الكاذب ..

السؤال ما هو الحضور الكاذب؟

وما الفرق بينه وبين النفاق الاجتماعيّ؟

حاول / ويحاول الكثيرون التفريق بينهما، وذاك زيف عقليّ يوهم بأن النفاق الاجتماعيّ أقل أثرا أو يظن أن الحضور الكاذب أفضل، وشخصيا أجد تطابقا وتماثلا بينهما، إذ هما مبنيان على الخداع، خداع الآخر أي إيهام بالحضور وآخر إيهام بالحب .. فالحقيقة هي عكس الظاهر.

النفاق الاجتماعي/ هو الاختلاف بين الظاهر المعلن والباطن غير المصرح به، أي التناقض بين معتقدات الشخص الحقيقية ومشاعره المعلنة. الحضور الكاذب/ هو أن يكو بين الأفراد مساحة ما، قد تكون هذه المساحة فكرية أو مكانية؛ وحتى عاطفية لكن باهتة وغير صادقة في وجودها الفعلي.

يسعى المتظاهر بالحب أو الحضور إلى إخفاء حقيقة الشعور تجاه الآخر، وفي نفسه حقد وجودي يتسم بالمنافقة اجتماعيا وحقد مكانيّ يتصف به صاحب الحضور الزائف .. لماذا يتصنعان خلاف الباطن؟

لغياب الثقة بالنفس أولا، وثانيا الخوف من المواجهة، فهو لا يواجه ذاته فكيف له أن يواجه الآخرين فيعيش دائما في جلباب الحب كارها له، ويفقد بذلك هويته كفرد ويغترب عن محيطه الكياني.

الدوافع

الأسباب والدوافع التي توجد هذه الشخصيات تتعدد لتنوع مسببات الضعف الذاتي، ولكن يمكن تصنيفها تحت دافعين، وهما:-

أولا/ الدوافع المادية

ثانيا/ الدوافع المعنوية

وراء هذه الدوافع تكمن التنشئة والبيئة التي تشجع على الظهور بالمظهر المثالي، وغياب القيم الأخلاقية؛ وأيضا التسلط سواء بشقه التربوي والمجتمعي، أو شقه السياسي؛ فالسياسي أكثرهم إصرارا على خلق مجتمع يتسم بالنفاق، إما نتيجة الخوف أو ابتغاءً للوصول إلى المناصب.

 

الصداقة .. والحضور الحقيقي

الصداقة هي انعتاق من الذات الجزئية إلى الكلية المقيدة

الصديق هو من تكشف له أنّاتُ نفسك ودواخلها، وإن أبقيتَ لنفسك منها وعنه شيئا، فإن حاجبا لم يتكشف، وبابا من أبوابها محجوب .. فأعد النظر في صدق صداقتك.

وهي من الصدق، والصديق من صدّقْته قولا وفعلا علانيةً وسرا .. وتآلف روحي، فاحرص على مداومة الصدق.

ولكي تتجنب النفاق الاجتماعي والحضور الباهت في الصداقة، حافظ على اثنين من الأصدقاء:

١- الصديق الكنز: هو الذي لا يربطك بأغلال من قواعده الذاتية، وهو من يترك لك مساحة لتقبل ذات الآخر في كل تقلباتها النفسية.

2- الصديق الذكي: هو الذي يتقبل سذاجتك ويتفهم التذاكي عليه بين الفينة والأخرى ، ليس لغباء فيه ولكن احتراما  لصداقته.

احرص على أن يكون صديقك من الذين يحررون العلاقات الإنسانية من القيود الذاتية الآنية؛ لأن طبائع الإنس متنوعة عديدة.. ولا تخضع لنفس طبائعنا.

إياكم أن  تُسلِّطوا الصداقة رقيبة على الآراء، وتصنعوا منها قيدا حديديا على المشاعر، فإنّ الحب والصداقة مرادفات لعلاقة إنسانية صادقة، فنجاحهما مرهون بمدى التفاهم، إذ يحتّمان على الأطراف قدسية الخصوصية، هو ما يحرّم اقتحامها _ الخصوصية _ تحت أي مبرر أو ذريعة.

أخيرا، يجب أن نفهم ونعي جيدا بأن الحب ليس وسيلة نجاة من العزوبية، كما أن الصداقة ليست مخرج طوارئ بها نتخلّص من العزلة الاجتماعية.

_____

 

وصفات في الصداقة

-لا تبحث عن وجوه حولك كلما ضاقت وحاصرتك الظروف، ابحث عن القلوب وحتى وإن كانت وجوههم مغيبة،  في بعض الحضور رفاه تغيّب الأفئدة، وكما أن كل غياب تعمدا، قد يكون ناجما من تعسّر.

- الشدة لا تصنع صديقاً ولا تعدمه، هي عرض يزول، مَن مكَّنته الظروف حضر وساهم، ومن أتتْ عليه ظروفه تعذّر، فتواجدَ قلبا. لا الرخاء ولا الشدة تحدد عمق الصداقة، وإلا فهي  مصالح يفسدها تغيّر الأحوال والظروف.

- الصديق الذي لا يستطيع مواجهتك بأخطائك لا يستحق الصداقة.. لأنه سيكون الأسرع لتشويه سمعتك في أول خلاف.

-لا تأتِ فعلا مكانا لا يناسبك لرد جميلٍ.

                    الكاتب والقاص/

                  حمد موسي