وجد نفسه في المكتب، لم يتناول قهوته في الصباح، أنساه المنظر كل شيء سوى الذكريات، قادته الذكريات؛ فذكرياتهما معًا كانت كل شيء بالنسبة له.. صديقته.. أخته.. لم يُفكِّر أنه سيأتي يوم ليس باستطاعته حتى السلام عليها، أو السؤال عمَّا فيها، اليوم هي غريبة عليه بكل شيء، جسدًا وروحًا.

تذكَّر.. نظراتها.. ضحكاتها.. السهرات.. الأغاني والكتب.. ونشاطها الدؤوب، كانت حياة مرحة، أما اليوم فهي لم تعد تلك الجميلة الفاتنة.

لم يحتسِ القهوة.. لكنه تجرّع قهوة الذكريات، قهوة أنسته سوى أنه لم يكن منصفًا معها يومًا.

كانت وردة توليب أينعت بحبه وذبلت فيه..

وقال لنفسه: لم أكن منصفًا معها.. لم أكن منصفًا، وارتمَى في أحضان مكتبه، واستحضرت ذاكرته آخر ما تبقَّى منها؛ قصاص ورق.. يحتفظ بها في محفظته، كلما غيرّ المحفظة نقلها إلى الجديدة.. الوداع:

«أحببتك كثيرًا، وكرهتُها بقدر حُبِّي لك، ومدى عشقك لها، فكلما نطقتَ حرفًا من اسمها زدتُ بغضًا لتلك الأحرف، كان أملي أن أكون يومًا في مكانها، وأن أحظى بشيء من الاهتمام، فكيف لا تحبُّ أنثى إنسانًا يعطيها كل شيء، الحنان، والأمان؟

أتعلم يا حبيبي أنني لن أحب أبدًا؛ لأنك لم تترك لغيرك مكانًا، وسأتزوج من لم يُحبّه قلبي، وأعلم جيدًا أن هذا الزواج سيُلبِّي طلباتي المادية؛ البيت المريح، والسيارة المكيَّفَة.. وهذا هو المهم الآن.

لا تخف لقد اخترت بعناية، ومن مصلحتي أن أتزوج من سيوفِّر كل طلباتي.

أحببتك، وسأظلُّ وفيّة لقلبي كما أنت وفيٌّ لصداقتنا.

أحبك يا صديقي.. لن تراني بعد اليوم.

 

رسالة اعتذار إلى الفاتنة

علمتني الحياة أنّ مطالبي منها غير قابلة للتحقق، اختياراتي دائمًا شديدة التّشابك والتعقيد، لا تقبل التساهل، مبادئي تقودني حيث تكمُن الصعاب.

ذات يوم قالت لي الفاتنة: أخطائي في حقك قاتلة، وعقلي خلف لساني، لا أتحكم في شيء إذا تعلَّق الأمر فيك.. لا تتركني إن زلَّ لساني وغلبني، فاحفظ لي عندك ودًّا أشق به دياجير الليالي، وصعاب الحياة..

قالت: أريد وعدًا لا تخلفه، بأنك ستكون سندًا في لحظات ضعفي، وعصاي التي أهشُّ بها مساوئ نفسي.

اعتذر اليوم لورد الربيع.. توليب

خنتك عندما زلَّ لسانك، فهجرت الإخوة والصداقة

أعتذر لأنني اخترت نفسي وقطعت حبل الودّ بيننا..

أتذكر الآن كم كنت فظًّا غليظ القلب.

أعتذر وألتمس العفو والسماح منك، فإني لا أريد لقاء ربي وعلى عاتقي دمعة من دموعك، وعهدًا لم أوفِ به..

الحياة إن كانت قاسية عليك.. فإنها لم تكن الأسعد لي، وفرحتي في هذه الدنيا أني حافظت إلى اليوم على مبادئي وقيمي، وأني وجدتُ إنسانة تتقبَّل كل مشاكلي وتساعدني على الاستمرارية.

آسف، آسف لكل صديق خيّبت ثقته عمدًا أو سهوًا

آسف لأمي وأبي؛ لأني لم ولن أكون ذلك المُنقِذ من براثن الحياة..

آسف، فالحياة لم تكن ورديّة.. 

الكاتب والقاص حمد موسي