قالت عبارتها..

وهي لا تعلم أنها ستُنهي بها كل ما كان بينهما، من الحب والصداقة، وكان وقع الكلمة على روحه ثقيلًا، وكأنها ضغطت على قلبه بصخرة، أو رصاصة قناص صربي من دون منظار اخترقت صدره واستقرَّت في قلبه، فقتلته.

أغضبها واستاءَت منه لأنه أراد أن يعرف بعض تفاصيل رحلتها، وكعادة النساء غيّرت مسار الحديث وبدأت بلعب دور الضحية، كيف له أن يُفكِّر بها بهذه الطريقة، ولماذا يشك فيها.. والرجال لا يشكون إلا إذا أتوا فعلًا غير لائق، الرجل يشك عندما يخون.

 

خاطبته بصوت لا يخلو من الانفعال:

« قل لي مع من خُنتني يا سيد Perfume، لم تتركه له مجالًا سوى أن يدافع عن نفسه؛ كأنها وجدته يفعل جرمًا، وتحوّل من مجرد متسائل إلى متهم بلمح البصر، ومن عاشق يستفسر إلى خائن تحت الاستجواب في أحد مباني مخابرات Big brother ،

حاول أن يخرج من الورطة بأي وسيلة، وبأقل ضرر وفكَّر بكل السبل حتى يثبت لها البراءة وأنه لم يخنها ولم يأتِ بما يخدش حبها، وأنه مارس حقَّه المشروع كحبيب وأن سؤاله بريء، وليس شكًّا أو عدم ثقة، ولا تشوبه شوائب قد تخلّ ما بينهما من الحب والصداقة..لكنها أصرَّت على أنه أهانها بأسلوب تفكيره، وأنه ليس لديه الحق في ذلك، وفي أثناء ذلك لم يتمالك أعصابه فبدأ يَعدّ كل تفاصيل علاقتهما غير المستقرة.

 

إهانة!

قالها.. وعلامات الاستغراب والسخرية بادية على وجهه، ثم أكمل أتدرين أننا أعداء بجلباب الحب، نحن كقيس وليلى ساعة وثلاثة ساعات كـ(توم وجيري) وكلما نلتقي نختلف، يومان نعيش في كامل الرومانسية والغرام، وما تبقَّى من أيام الأسبوع نخوض فيها حروبًا أهلية لم تشهدها الكونغو ولا لبنان، ولم ترَ مثلها الصومال، حرب من دون سبب أو مسبب، حرب من أجل الحرب فقط.

 

لحظات الرومانسية.. يُغار مِنَّا الحب بذاته

تقولين: «كيف سأعيش من دونك، ومن كان سيفهمني مثلك، ومن سيتحمَّل جنوني وعنادي، ويرد عليها: «أنت هبة ربي وأفضل هدية من خالق الكون لعبده، وأيّ فعل خير عملته لأستحق إنسانة بخلقك وجمالك»، وفجأة تختفي الرومانسية، ويظهر خلاف من دون سبب واضح، من كلمة غير مقصودة يتلفَّظ بها أحدهما أو من مزاح لتلطيف الجو؛ فتتصاعد نبرة الأصوات، وفي ذروة الخلاف يتبَّرأ منهما الحب وينسحب إبليس معترفًا بأنه لن يستطيع مجاراتهما.

 وفي أحد الأيام وأثناء خلاف كالمعتاد قالت له “Yo-Maribbishin” شَعَرَ بغصة في حلقه ولم يستطع نطق حرف وسكت سكوتًا أعاد به شريط الحياة معها..  رأى أمام عينيه كل الأحداث التي مرّ بها معها، كأنه في سينما مجهز أعدّ خصيصًا لهذا الحدث، كل اللحظات موثَّقَة بصورة وصوت وكلمة، وحتى ملامحها وتعبيرات وجهها الجميل تجلّتْ أمام عينيه.أحسّ أنه الحلقة الأضعف في العلاقة، وكرامته لم تعد موجودة، وبعد لحظاتٍ من نطقها للكلمة وهي تشدُّ عليها وتعضُّ أحرف الكلمة.

 استعاد كل المشاهد التي تتجلَّى به أحداث علاقتهما متلفزة.. بدأ في تكرار العبارة:

 

 Yo Maribbishin, yo Maribbishin, 

“لا تزعجني، لا تزعجني»

 في نفسه كررها أكثر من مرّة وكل مرة بنغمةٍ ونبرة صوتٍ مختلفة عن السابق؛ وكأنه مُغنٍّ مُبتدِئ في «الأُستُوديو» لتسجيل ألبومه الأول والمنتظر، يبحث إيقاع يُبرِّر لها أو يُخفِّف به وطأ الكلمة على قلبه وروحه..

 

أخذ شهيقًا يستعيد به أنفاسه

في كل مرَّةٍ يكرر العبارة التي تزيده غضبًا وتزيد تسارع نبضاته حتى أحس في العاشرة باختناق شديد، ودقات قلبه تتسارع أكثر وتصبّبَ عرقًا يسيل كقطرات مطر علي أرض  أصابها جدبٌ في بعض سنوات.

قرر ألا يُغلق «الماسنجر» حتى يستمع لآخر نبضات من قلبها، مرَّت خمس وأربعون دقيقة وهما بحالة صمتٍ، لم تُكلّف نفسها عناء غلق الماسنجر وكانت فرصة له أن يستغل كل ثانية في سماع شهيقها وزفيرها ليحس بنبضات قلبٍ عشقه ويعشقه، وهو الآن على وشك هجره للأبد.

 

يستمع لأنفاسها عبر الماسنجر وهي اختارت الصمت، وبالصمت يتحاوران.

يتساءل: هل هذا آخر اتصال بيننا؟

تعذبه فكرة أنه آخر نفس وآخر نبضات، تعذبه فكرة أنه سيُنهي حلمه بالحب وأنه لن يكون قادرًا على معانقتها يومًا كما حلم وخطط، وما يزيده ألمًا.. سيتركها لسبب لم يخطر على باله ولا يستحق.ولكنه تراكم.. يهمس بصمت ويقول «التأجيل يزيد المشاكل، من تراكم أفعالها اللّامسؤولة وعدم قدرتي على المواجهة المُبكِّرة، تأذَّت العلاقة».

 

ويواصل التفكير والأسئلة:

كيف سيكون يومي بدونها، يومٌ لا أكلمها يساوي عمرًا ذهب سُدىً..

يصيبه الجنون من فكرة عدم تواصله معها بعد اليوم وهذا ما يقوله القلب، ولكن عقله يقول: ستعيش كما كنت قبل أن تحبها، اعطِ نفسك وقتًا كافيًا ستجد أنك أفضل بدونها، أليست هي التي تقول إن الحياة لا تتوقف على شخص وإن الحب ليس كل شيء، ستنساها وستنسى أنك عشقتها يومًا، فقط فكِّر في كرامتك ولا تهن نفسك باسم الحب، أنت أقوى من الحب وتبعاته..

قررت أن تغلق شبكتها حتى يتم إنهاء الاتصال بدبلوماسية هذه المرة، وحرمته من آخر أمنيته وهي أن يكون نفسها ودقات قلبها آخر ما يسمع، ولكن قررت أن تحرمه حتى من أبسط أمنية، وأنهت الاتصال.

«إنه الحب فلا يمكن أن أقبَل فيه وبه الهزيمة»، قالها وأخذ نفسًا عميقًا.

 

انتهى الاتصال.

كما أغرقه التفكير وأرهقه كلما أذاب العرق دهونه الزائدة عن الحاجة وحتى الطبيعية منها اللازمة للعيش، كما أن الحويصلة المرارية ازدادت نشاطًا وكذلك هرمون «الغريلين»، ما حفَّزَ معدته على الثورة، تطالبه بأن يضع في فيه طعامًا، حيث ذاب حمضها ولم يبقَ منه ما يسدُّ الفراغ.

 

دخل الحمام ليستحم.. وليسترجع طاقته

هاجمه القلب من جديد، كيف ستكون أيامه القادمة، ألاَ ينبغي أن أتحمَّلَها لأجلي، لأعيش مثل البشر وأتنفس مثل البشر؟ لا أملك طاقة أتحملُ بها الفراق، ولم يكلِّفنا الله ما طاقة لنا به وهو أعلم بنا وفينا؟

 

الكاتب والقاص /حمد موسي