عندما غادرت بلدي إلى الخارج وبالتحديد المملكة العربية السعودية لاستكمال الدراسات العليا لم تكن وسيلتا النقل التاتا والبجاج منتشرتين، ولم أكن أرى البجاج ذي العجلات الثلاث خاصة إلا في الأفلام الهندية، وفي المدن الإثيوبية في العطلة   الصيفية  لكنني عدت من الدراسة وقد انتشرت في البلد كالنار في الهشيم، وكثرت كثرة لا توصف، وصارت لها محطات للوقوف، وطرق ومسارات للسير والمرور لا ترتادها غيرها من وسائل النقل العام فسهلت حياة المجتمع، وقربت المسافات والأماكن، ونشطت الحركة التجارية، وأوجدت الكثير من فرص العمل للشباب العاطلين.

وكفرد من  هذا المجتمع خاصة من الساكنين في الأحياء التي تكثر فيها هذه الوصيلة صرت أتعامل معها بشكل يومي بحكم عملي وسط المدينة، وسكني في الأحياء السكنية الشمالية بعد انتقالي من الحي الرابع في وسط المدينة إلى حي نصيب الذي يعدُّ أحد الأحياء التي لا تعمل فيه وسيلة نقل أخرى غير البجاج والتاتا، فتربط بينه وبين حي كيلوا 12 الذي لا يفصله عنه سوى طريق عرتا الرئيسي.

وخلال تعاملي مع تلك الوسيلتين ذهاباً وإياباً يومياً أرى الكثير من الأحداث، وألتقي بالكثير من الشخصيات، وأتعرض لما لا حصر له من المغامرات، ومن خلال احتكاكي المتكرر بها لاحظت أموراً عديدة منها أنها كثيرة الحوادث مقارنة بغيرها من وسائل النقل العام، فقد نجوت بأعجوبة أنا وغيري من الركاب الذين كانوا معي من حادثي سير محققين كان الخطأ من نصيب سائق البجاج كما شاهدت الكثير من الحوادث المميتة وأنا بعد لم أكمل العام في هذا الحي، ولا أدري سبب كثرة الحوادث هل هي ناجمة من حداثة أعمار سائقيها وقلة خبرتهم وتجربتهم في الحياة؟ أم بسبب العجلات الثلاثة التي تحتاج إلى أخت رابعة تحمل معم ثقل البشر بالنسبة للبجاج أو صغر الحجم الذي يجعلها في مهب الريح بالنسبة للتاتا.

ومن الأحداث التي حصلت لي مع البجاج ولقنتني درساً أنني في صبيحة أحد الأيام نسيت فيها محفظتي الشخصية وكان فيها مجموعة بطاقات شخصية: كالبطاقة الوطنية، والبطاقة البنكية، ومبلغ مالي محترم، ومجموعة بطاقات أعمال تعريفية بها عنواني، ورقم جوالي، وبريدي الإلكتروني وضعتها في المحفظة لإعطائها لمن تسنح الفرصة للتعرف عليه في اللقاءات والمناسبات الاجتماعية التي أدعى لها أو الرسمية التي قد أشارك فيها ، وأمر آخر أيضاً هو أنه لو ضاعت ولقيها ابن حلال حتى يتواصل معي من خلال تلك العناوين والأرقام والإيميلات ويرد إلي محفظتي لكن الذي حصل أنها وقعت في يد ابن حلال من نوع آخر وهو سائق البجاج نفسه فقد أخد المحفظة واستعمل ما فيها من مبالغ واستبقاها عنده لمدة أسبوعين متردداً بين الإعادة أو الرمي في سلال المهملات وبعد أسبوعين تعطلت أموري كلها أعاد المحفظة معتذراً وطالباً المسامحة باستعماله جزءاً كبيراً من المبلغ الذي كان فيها وكان بإمكانه الاتصال بي في نفس اليوم لكنه تظاهر بجهله بالقراءة والكتابة وجاءني عن طريق الاستدلال الإشادي فلم يكن مني إلا أن سامحته على أن يكون ذلك درساً أحاول جاهداً ألا يتكرر معي. 

 

محمد شاكر عرب

كاتب وباحث في البلاغة والنقد الأدبي