في الجزء الأول من الخاطرة المنشورة في العدد السابق أشرتُ إلى أن الغالبية من رواد شبكات التواصل الاجتماعي عموماً وموقع الفيسبوك على الأخص لا يتمتمون –من وجهة نظري الشخصية- بالقدر الكافي من الوعي والذي يتيح لهم فرصة الاستفادة القصوى من تلك الوسائل، مع الإدارة المثلى للأوقات التي ينبغي قضاؤها في مناشط ومهام أخرى. 

في الوقت عينه لا نُنكر أن للفيسبوك مزايا عديدة وفوائد جمة قد لا يتسع الظرف لاستعراضها وتعدادها في هذه الخاطرة، لعل من أهمها تكوين شبكة عريضة من العلاقات مع الأهل والأصدقاء الذين حالت بيننا وبينهم الظروف، فاضطرتهم للعيش في مدن أو قارات أخرى.. فبفضل هذه الوسيلة يبقى التواصل مضمونا في أي  لحظة ما دامت الشبكة العنكبوتية متاحة. 

مما سبق يتبين أن الحاجة تظل ماسة لإيجاد توازن بين تلبية الرغبات  المرتبطة بالتصفح اليومي لمواقع التواصل الاجتماعي ومراعاة الواجبات الأخرى الملقاة على عاتقنا، لاسيما في ظل ظهور المزيد من المواقع والشبكات والتي لا تترك للرواد والهواة  -إلا ما نذر- أي فرصة لترتيب الأولويات، بل وإعادة النظر والتفكير في طبيعة العلاقة مع السوشيال ميديا، وفي طريقة استخدامنا لها. 

تفيد إحصائية عامة،نشرها موقع الجزيرة نت في أكتوبر الماضي، أن أكثر من نصف سكان العالم حاليا، البالغ عددهم 7.87 مليارات نسمة، يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن العالم يمضي أكثر من 10 مليارات ساعة يوميا يستخدم وسائل التواصل، وهذا يعادل نحو 1.2 مليون سنة من عمر الوجود البشري. 

كذلك يتعاظم الخطر بشكل يدعو –في نظري- إلى القلق خصوصا في الدول النامية التي تنتشر فيها البطالة في صفوف شريحة الشباب ، فضلا عن تدني الوعي المجتمعي، حيث كشف تقرير صدر عن مؤسسة هوتسويت (Hootsuite) الكندية بشأن واقع العالم الرقمي للعام 2019 عن أرقام مثيرة للاهتمام من أبرزها أن ثمة فارقا كبيرا في مدة استخدام الإنترنت على الهواتف المحمولة بين الدول النامية (ومنها الدول العربية) والدول المتقدمة، فالأولى تفوق الثانية بأكثر من ساعة ونصف يوميا على الأقل، وذلك بالنسبة للفئة العمرية 16-64 عاما. 

 إزاء ذلك لا غرابة أن ترى معظم هؤلاء الشباب يبحرون في عباب محيطات تلك الوسائل، والغوص في أعماق بحارها -التي لا تهدأ أمواجهها للحظة- الساعات الطوال ليلا أو نهاراً دون يستخرجوا منها-إذا صح التعبير- لحما طريا يأكلونه، أو حلية يلبسونها، أو لؤلؤَ ثميناً يستبدلونه بثروة تكفيهم شر الفقر والحاجة. 

ختاما لابد من التأكيد على أن هذه الصورة قاتمة السواد، ليست قدراً محتوماً لا فكاك منه أي حال من الأحوال، لكن يمكن تحويها إلى أخرى مشرقة ناصعة البياض عبر الاستخدام الأمثل للفيسبوك ولغيره من وسائل التواصل الاجتماعي... واستنفار طاقات الشباب الكامنة والهاجعة وتصليب إرادتهم ليشكلوا في نهاية المطاف رافدا عظيماً من روافد نهضة الوطن واستقراه، وليس المطلوب هنا سوى الاستخدام المقنن لها.. وإلا فما هي إلا متعة مفيدة أم مضيعة للوقت تعقبها حسرة تدوم.  

 

بقلم/ 

محمد عبد الله عمر