حبيبتي أمل: 

بعض المدن  جامعة أضداد أرواحنا وقلوبنا 

وهذه المدينة كالمرآة المحدبة تحتضن أضداد حياتي، وشيء منها لا ينفك عني، وكلي عالق في ستائر عشقها، أحن إلى قهوتها، المتماهية بجمال الصانع، والمنكّهة بعطرها الدافئ، وكلما أزورها أجد كلي مجتمعاً في منعطفات حاراتها وفي جمال ، ولكن تغادرها نفسي بكلها بعد يومٍ من الزيارة، أكون فيها جسدا بلا روح، إذ ترتحل نفسي إلى حارةٍ وراء البحر، حيث النشأة.

أنا بين حب هذ المدينة والحارة معلق، ولا أملك مَدرجا للهبوط المريح .. هل سيكون بين أحضانك مدينة ثالثة تزيل حيرتي، أم ستزيدني بمدينة أخرى تضاعف قلقي الشعوري؟

____ 

حدّثتك - قبل ثمان وأربعون ساعة - في قلبي الملتاع وتعلقه بين المدينة التي يحبها، والحارة التي يشتاق إليها، عن حارة تنازعني  نفسي إليها إن باعدتُها، وسألتك حينها هل لي «بين أحضانك مدينة ثالثة تزيل  حيرتي، أم  ستزيدينني بمدينة أخرى تضاعف قلقي الشعوري؟»

ذاك اليوم جئتُ سائحاً، باحثا عن الجمال، محمياً بالأصدقاء من أي شعورٍ قد يعكر صفو الرحلة، زرتها لأزيل غبار الهموم العالق بالروح من ضوضاء العاصمة، واليوم عدتُ إليها وفي ضلعي كسرٌ من ألم الفراق، وقلبي يئنّ من فقدٍ والحزن يعصر عاقلتي كالمِعصَر.

كنتُ أبحث في كل الموجود _ بهذه المدينة _ عن جمالٍ ساحر، حتى يخيل إلى المستمع بأنّ بي مسّ من الجمال، واليوم لا يُغوني فيها أمر ٌ، لا طعم قهوةٍ ولا زرقة بحرٍ أو نسيمه، وعطر اليود، وهو رسول البحر إلى النفوس التائهة ما عاد يحمل  الطمأنينة ولا باعثا الأمل.

فهمتُ يا أملي أن الأمكنة مثل البشر لا يتعلق منها شيء في وجداننا، إن لم يجمعنا فيها الحزن والفرح، أو يجتمع في قلوبنا منها ذكريات حلوة وأخرى مُرّة .. وهذا هو سر تعلقي بين هذين المكانين (تجرة|أرحبا).

حبيبتي أمل: «نحتاج في حبنا للأماكن ما يُنعش الذاكرة فرحا وحزنا كلما مررنا بها».

____

عن أبغض الناس 

في آخر لقائنا سألتني يا أملي عما أكره في الناس، وأي الصفات تكون بيني وبينهم سداّ يحيل دون التقارب الروحي، فلم أجب، ولجأت إلى الابتسامة، وهي  -الابتسامة- كما قال عنها الرافعي بأنها: «... كلام الروح فهو هذه الحركة البليغة وحدها! وحدها! ... والألفاظ تجيء وفي نطقها معانيها، ولكن ابتسامة الحبيب هو يستخرج معناه من محبها»؛ فتركتك تستخرجين من الابتسامة جوابا، آن أنْ أزيح الحجاب عن بعض الأسرار.

أبغض الناس إلى قلبي دعاة المثالية والكمال، فإنه مدعاة إلى الجنون، وتخلٍ عن الإنسانية والبشرية، مثلا نجد في كل خطاباتنا اتهام الجميع بالإساءة والنكران إلينا، وأننا بالمقابل ملائكة لا يأتيه الخطأ إلا بصورة إحسان .. أليس هذا مدعاة إلى التفكير، والسؤال: من الخطّاء، ما دمنا كلنا ملائكة ساجدة في محراب الأخلاق الحميدة!!؟.

البقية في الاعداد القادمة 

 

الكاتب والقاص /

حمد موسي