عند دخول السابع والعشرين من الشهر السادس من السنة الميلادية في كل عام يحيي الشعب الجيبوتي  ذكري الاستقلال المجيد ويعيش فرحة عيد الاستقلال من المحتل الفرنسي الغاشم الفاسد ، الذي استعمرجيبوتي أكثر من مئة سنة ،و أذاق الجيبوتييين أشد العذاب والإذلال ، من قتل وتشريد وإخفاء قسري لكثيرمنهم ليس هناك أثر لبعضهم إلي الآن ، وكان المستعمر البغيض يمارس كل انواع الظلم والبغي والعدوان، وهذا ديدن المحتلين والغزاة الغربيين الذين ليس لهم أي وازع اخلاقي يردعهم عن افعالهم الغاشمة في حق الشعوب التي يحتلونها ، ومع كل هذه الجرائم التي كان يفعلها المحتل الفرنسي ضد الشعب الجيبوتي ، لم توقف نضاله المشروع بمطالبة الحرية والاستقلال،وستبقى هذه الفرحة في الذاكرة  ما بقي أحد من أهل الجيبوتي علي قيد الحياة.  

هذا المقال ليس سرداً لنضال التحرري  للشعب الجيبوتي ،وإنما فقط إظهار وإبراز دورعلماء جيبوتي في جهادهم ونضالهم  ومشاركتهم في تحرير البلد من المحتل الفرنسي الكافر المجرم مع قلة المصادر التاريخية التي يمكن الرجوع إليها للباحث في هذا الموضوع.

  

دور العلماء الجيبوتيين ومشاركتهم النضال التحرير البلد من الاحتلال الفرنسي  

للعلماء دور فعال ومهم لتوجيه الأمم وترشيدهم لما يصلحهم في حياتهم الدنيوية والأخروية ،لأنهم  

ورثة الأنبياء صلوات الله عليهم وسلم جميعاً،إذاً فإن دور العلماء كان مهماً ، ويكفي شرفاً لهم أنهم  

كانوا يحافظون على الهوية وطنية للأمة ، ويعملون من أجل لم شمل الجيبوتيين ، وتوحيد كلمتهم  

وصفوفهم لمواصلة النضال ضد المحتل الفرنسي ، لنيل الحرية والاستقلال والخروج  من تحت وطئة  

المحتل ليعيش الشعب الجيبوتي بحرية وكرامة وعزة كبقية شعوب العالم.  

ونضال العلماء  كان مكملاً للنضال السياسي والكفاح المسلح، ولأن العلماء  كلمتهم المسموعة لدى  

أوساط المجتمع الجيبوتي الثائر ، والمتعطش للحرية والاستقلال والخروج من تحت وطئة  المحتل ،  

والمحتلون الغربيون يعلمون جيداً دور العلماء في شعوبهم لأنهم يغرسون في قلوب شعوبهم ثقافة  

مقاومة  المحتل ، الذي يريد نهب خيرات بلدهم ، وممارسة الغزو العقدي والفكري والاقتصادي والتعليمي  

والاجتماعي لشعوبهم، والعلماء يعرفون جيداً مكر المحتل وكيده،وكل ما كان يريده المحتل  

الفرنسي للشعب الجيبوتي لكي يسهل عليه غرس أفكاره وتقاليده ، التي تخالف أفكار وتقاليد  

المجتمع الجيبوتي  المسلم، ومن أجل تحمل هذه المسؤولية  الملقاة على عاتق العلماء تجاه أمتهم  

ثار بعض العلماء الجيبوتيين في حقبة الاحتلال الفرنسي وشاركوا مع بقية المجتمع الجيبوتي  

في نضاله التحرري ضد المحتل الذي جاء من وراء البحار وطرده من بلدنا الحبيب ، وسطروا أي العلماء بدمائهم الغالية انصح صور البطولات والتضحيات بدورهم الفعال الذي لا ينساه الشعب الجيبوتي .  

و هذا المقال المتواضع هو محاولة لإظهار دور العلماء ومشاركتهم في النضال التحرري لبلدنا     

 وسأذكر بإيجاز غير مخل بحسب ما  نقلتُ من بعض العلماء الذين كانوا مع هؤلاء العلماء     

الجيبوتيين الذين شاركوا في جهاد التحرير، بل وأبلوا بلاء حسناً، واستشهد  

بعضدهم  لأجل تحرير البلد، استشعاراً بواجبهم الديني لمجاهدة المحتل الفرنسي،  وأبرز هؤلاء العلماء و أعظمهم قدراً ومكانة :  

الشيخ المجاهد المناضل الفذ ، فارس الكلمة والخطب المنبرية ، شهيد الكرامة والعزة :  

 

الشيخ : عثمان وعيس إسماعيل رحمه الله .  

ولادته ونشأته رحمه الله :   ولد الشيخ عثمان وعيس اسماعيل في مدينة هلهل علي طريق السكة الحديد الذي يربط بين جيبوتي وإثوبيا باقليم علي صبيح في عام 1919م ، وتربي في كنف والده وعيس في هلهل  انتقلت عائلته وهو ما يزال في فترة الطفولة (في السادسة من عمره) إلي عاصمة جيبوتي  التي كانت تشهد في تلك الفترة نمواً عمرانياً ونشاطاً اقتصادياً ملحوظاً  في ظل الاحتلال.  

 

  بداية تعليمه :  

التحق الشيخ في سلك التعليم بمدرسة النجاح الإسلامية لتعليم العلوم العربية والإسلامية ، وأكمل تعليمه النظامي فيها.  

وفي مدرسة النجاح توطدت العلاقة بينه وبين شيخه العلامة القاضي علي بن أبي بكر السقاف رحمه الله خريج كلية أصول الدين في الأزهر الشريف، وكان مديراً للمدرسة منذ افتتاحها عام 1935م ، وحتى توليه منصب قاضي القضاة في جيبوتي في حدود علم 1938م ، حيث خلفه في إدارة المدرسة الشيخ العلامة عبد الله بن علي العيدروس رحمه الله صاحب التصانيف الرائعة والنافعة ، ولم تنقطع صلة الشيخ السقاف بالمدرسة إذ كان مشرفاً عاماً عليها حتى بعد تقاعده عن القضاء. توسم الشيخ السقاف في الفتى عثمان وعيس إسماعيل  علامات النبل والنبوغ المبكر، ورأى فيه ذكاء حاذقا وحماساً منقطع النظير، ومن أجل ذلك كان يصطحبه دائماً  إلى منزله ومجالسه الخاصة، وحتى مقر عمله في المحكمة الشرعية المركزية، ويستعين به في أداء كثير من واجباته .ومن نتائج علاقته الحميمة مع الشيخ السقاف نبوغه وحصوله على قدر مهم من المعرفة  الدينية على يده، منها تفسير القرآن الكريم ، والحديث واللغة العربية .وكان الشيخ السقاف يطمح إرسال تلميذه المخلص إلى  الأزهر الشريف، ليستمر في مواصلة تعليمه ،وكان يحفزه على ذلك كثيراً حتى أنه نسق مع بعض  أصحابه في مصر لتسهيل إجراءات سفره إلى هناك لولا أن ظروفاً كثيرة حالت دون ذلك .  

 

 بداية انضمامه للنضال التحرري:  

الشيخ عثمان كانت لديه حماسة دينية ووطنية بمجابهة المحتل ، وهذا يظهر لدى الشيخ عثمان رحمه الله  واضحاً في خطبه المنبرية  المسموعة لدى الشعب الجيبوتي والتي كان يلقيها كل جمعة في مسجد  عبد القادر الجيلاني  في حي الرابع،وكانت خطبه الحماسية تحرك مشاعر  

الشعب  الجيبوتي وتحث علي مواصلة النضال ضد المحتل الفرنسي، وكانت هذه الخطب  تزعج الفرنسيين  وحكومة الاحتلال بقيادة علي عرف برهان  . ومن الشخصيات الكبيرة التي كانت لها الأثر الأكبر في تكوين شخصية الشيخ عثمان وعيس إسماعيل في فترة  شبابه الأستاذ علي بهدون  زعيم الحركة الوطنية لمناهضة الاحتلال في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ،وهو من المغتربين الصوماليين القلائل الذين عادوا للوطن لبناء وعي الأمة لمواجهة أهداف الاحتلال، ونادوا بضرورة توحيد الأرض الصومالية المحتلة من قبل المحتل الأوربي المتعدد الجنسيات والذين كانوا تمهيداً لحركة وقد أسس فرعاً لجمعية (الخيرية ) الصومالية في جيبوتي سنة 1932م وهي جمعية وطنية مناهضة للاحتلال الفرنسي وقد أخذت بهذا الاسم تمويهاً للمحتل عن أهدافها الأساسية ، لأن المحتل الفرنسي ما كان يسمح للمواطنين في تلك الفترة بتشكيل الأحزاب السياسية والنقابات العمالية وغيرها من الكيانات السياسية أو الحقوقية .وقد انضم الشيخ عثمان وعيس إسماعيل إلي هذه الجمعية سنة 1936م وهو في السادسة عشر من عمره وبدأ أولى أنشطته النضالية في صفوف هذه الجمعية التي كانت تضم نخبة كثيرة من الفتيان والشيوخ الجيبوتيين الغيورين ، وتعرف  الشيخ في الجمعية على بعض الشخصيات التي رافقته في نضاله فيما بعد ، ومن أبرزهم السيد محمود حربي فارح الذي يعد ألمع شخصية سياسية خرجت من رحم هذه الجمعية والشيخ المناضل عبد الله بودى حريد رحمه الله  وسوف نبرز دوره هو أيضا إنشاء الله .وقد أمرت السلطات الاحتلال بإغلاق مقر جمعية (الخيرية ) وحظرت أنشطتها بعد أن اشتبهت في ضلوعها في أنشطة معادية للاحتلال وأودعت رئيسها علي بهدون ونائبه سعيد أثناء الحرب العالمية الثانية في السجن، وقد نسبت إليهما تهماً كثيرة منها موالاة النازية  ، وتنفيذ أجندة معادية لفرنسا ، فتدهورت حالة الزعيم علي بهدون الصحية ، وتوفي بعد خروجه من السجن .وبعد وفاة الزعيم علي بهدون انخرط الشيخ عثمان وعيس في المناشط السياسية والنضالية التي شكلها تلامذة علي بهدون بعد وفاته، ومن أبرزهم السيد محمود حربي وأسسوا مثل  النقابات العمالية  ونادي الشباب الصوماليين وغيرها .  

 

توليه الخطابة  والقضاء :  

وفي عام 1944م أسندت إلي الشيخ عثمان وعيس رحمة الله  الخطابة بمسجد عبد القادر الجيلاني في حي الرابع من العاصمة، كما تقلد منصب قاضي في أحد الدوائر الحكومية في العاصمة .وقد أتاحت له الخطابة بمسجد الشيخ عبد القادر الجيلاني التواصل مع الجماهير التي كانت تقصد إليه كل جمعة من جميع الأحياء الشعبية في العاصمة ، وخلقت له شعبية كبيرة جعلت من الشيخ  الأول في البلاد ، لأنه نجح في بلورة وعي الشعب وتوجيه الجهود ضد الأهداف  والأجندات الاحتلالية  ، واتخذ الشيخ المنبر وسيلة فعالة لنشر رسالته النضالية .وتضايقت إدارة الاحتلال من نشاط الشيخ عثمان وتحركاته ، وذلك بعد المظاهرات العارمة التي واجهت زيارة رئيس الفرنسي الي جيبوتي والتي فضحت فرنسا أمام رأي العالم والتي مطلبها الحرية والاستقلال،  واتخذت سلطات الاحتلال كل الوسائل لتثنيته عن تأليب الشعب  وتحريضه ضد سلطات الاحتلال دون جدوى ، فقررت إبعاده بنقل دائرة عمله إلي مدينة أوبخ في شمال البلاد ، ولكن الشيخ عثمان رحمه الله رفض هذا القرار ، فدبرت إدارة الاحتلال خطة لاغتياله بيد آثمة، ونفذت علي يد مواطن مغرر به تلقى  منه الشيخ خنجر غذر وخيانة في عام 1967م في طل حكومة علي عارف برهان التي كانت غطاء سافراً للاحتلال وأجندته وأداة لقمع الشعب الجيبوتي عن تطلعاته لنيل الحرية والاستقلال .  

 

يتواصل المقال علي حلقات في الاعداد القادمة  

بقلم أبومحمد روبله عوليد جناله  

 إمام وخطيب مسجد جامع بن لوته الكائن في هدن 1