2

وصل إلى مكتبه عند (8:30) أسند ظهره إلى كرسيه، ثم مدّ يده، وتناول قلماً من المقلمة التي أمامه بالمكتب، فبدأ يدوّن:-

 «المهجر يا دكتور لا يصبح وطنا مهما طال أمد العيش فيه».  (مستعينا بفقرة من قصة هي رباب).

  ثم استكمل: هل يصبح الوطن وطنا من بعدك ودونك يا آسيــــــة؟ الوطن حيث نجد للقلب مسكنا وسكنىً، المهجر هو الذي نكون به جسدا، بينما القلب معلقٌ، أنت الوطن .. وكل ما عداك منفاي.

تأفف بصوت مسموع ..

ما بك يا زميلي ..؟ سأله مصطفى

لم يكن انتبه (حُمّــــــــــد) إلى وجوده في المكتب. أعاد القلم إلى المقلمة وأجاب: لا شيء، لا شيء.. أصر عليه زميله بالمكتب (مصطفى) قائلا: إنّ وجهك يبدي الكثير، عليه سحابة شديدة السواد، على وشك أن تمطر لهبا؛ حتى السلام  نسيته،  دخلت ولم ترنِ.. هل أصاب والدتك أيّ مكروه؟

لا لا، أمي بخير .. صمت لثوانٍ وشرد ذهنه. فتذكر أنه لم يقبل جبين أمه ولم يرضها بابتسامة قبل أن يغادر المنزل. إقتحــــــم مصطفى سكونه بسؤال: هل آسيـــــة استأذنت منك اليوم؟ ليس من عادتها أن تتأخر، أراد بسؤاله أن يشتت ذهنه عما يشغله، علّه يخرجه مما فيه لدقائق.

هز رأسه نافيا علمه باستئذانها، وإذا بساع من الإدارة يطرق الباب، وقال موجها خطابه إلى (حُمّــــــــــد): الإدارة بانتظاركم في قاعة الاجتماعات، وبلغة توحي تعنيفا ...

 

هذه الساعة .. ولماذا؟ (بلهجة وملامح تبدي الاستغراب)

 فرد الساعي: هناك سينكشف لك الأمر، لا تتأخر كلهم بالقاعة؟

3

عندما وصل القاعة، لم يرد أحدٌ منهم السلام، والوجوه واجمة وعابسة، وبين الحضور وجد حبيبته آسيـــــة، عبستْ وجهها وتفادت النظر إلى وجهه، وعينا المدير تبدي غضبا يتصارع داخله. أشار المدير إلى كرسي، فجلس ..

افتتح المدير قائلا: وصلتني ليلة أمس نسختين من مقالك المعنون : (حيل الشركات وأرباب العمل على الموظفين)، وعليه كوّنتُ هذه اللجنة كما ترى، لتبحث وتحقق في مزاعمك. وقبل ذلك، هل تقر بأنك كاتب المقال؟

أجاب (حُمّــــــــــد): نعم، إنه مقالي وبلا شك.

بدأت حبيبته آسيــــة تلاوة نص المقال وبصوتٍ ماكر مرتفع:

«في الساعة الثانية ونصف، بعد منتصف ليل من ليالي رمضان المبارك، وجدتُ نفسي وحيدا بين أوراق كنت بعثرتها بقصد إعادة ترتيبها بمقتضى ومتطلبات المسؤولية... ومن بعيد أشرقتْ فكرة مجسدة، واخترقت وحدتي، وأخذت الفكرة تعيد صياغتها حتى استقرت على بصيغة تساؤلٍ:- «ماذا أنت صانعٌ يا (حُمّــــــــــد) ،هذه الساعة، ولوحدك في المكتب؟».

ترفع رأسها، وتشخص نظرها في عيني حبيبها حمد، ثم تُميل وجهها ناحية المدير ...يؤمئ لها المدير، لتواصل القراءة. وتستكمل آسية:-

«وهنا تذكرتُ مقالات وكتبا سبق أن قرأتهم عن العبودية الجديدة، وقدرة الشركات على الاستحواذ على الموظف والعامل من خلال الزمن، حيث تعطي مهام خمس موظفين لموظف واحد حتى يجد نفسه محصورا بين المتطلبات اللا نهائية، ويضطر أنْ يكرس كل تفكيره ووقته لانجاز ما يقع على عاتقه، وقد تلحقه المهام غير المنجز في منامه، لا يهنأ بنوم ولا في يوم إجازة، حياته محصورة وراء قضبان المكتب»

يتبع،....

       

بقلم الكاتب والقاص

 حمد موسي