هنا؛ يشير نائب المدير إلى القارئة، فتقف .. ويوجه سؤالا مباشرا ل (حُمّــــــــــد):- أ تسمي عجزك في انجاز المهام في أوقاتها عبودية و ... فيُقاطعه المدير قائلا: دعها تكمل القراءة، وهو-أي المدير- يعرف جيدا أنّ نائبه يكره (حُمّــــــــــد)  ولا يطيق وجوده في المؤسسة، واتخذه نداّ منذ أنْ اختار مجلس الإدارة مشروع قدمه (حُمّــــــــــد)  على مشروعه رغم حداثة انضمامه –حمد- إلى الشركة.

تواصل التلاوة بصوتها العذب المؤثر:-»هذه الحالة استدعت حواراً تخيليا ...»تجاوزي هذا المقطع فهو لا يعنينا فحواره مع نفسه يخصه هو، إقرئي من بعد الفقرة:-

«هل أنت ذاتك اليوم؟ ألم تكن ترفض أن تكون متحكما من قبل رب العمل؟ الآن خلف الشاشة وأمامها لتنجز مهامك، وتجد ذلك ضروريا وواجبا تؤديه تجاه التزامك الوظيفي». (يقرأ المدير المقطع بتأني أقرب إلى التأتأة).. فيرسم حمد ابتسامة على محياه، فتلحظ آسيـــــة ذلك، فتخطف الميكرفون من مديرها وتتلو النص حتى تصل هذه الفقرة:-

«وصوت آخر يأتي من الأعماق «أنت عبدٌ، فقد أخضعوك..»، رب العمل غارق في نومه، وأنت ساهرٌ تحرص على مصالحه، أنظر ماذا صنعوا منك، إنك آلة إنتاج تُستهلك كل طاقاته فيما يخدم السيد، وكالآلة معرض للإهلاك والإحلال.. أصرخ صامتا، أضغط على حنجرتي لأحجز الصوت وأوسد هذا الباب، الذي يحرضني إلى ضدي».

يكفي إلى هذا الحد يا آسيــــــــــــة، يمكنك الخروج، وسنناديكِ بعد انتهاء التحقيق. (المدير) وثم يكمّل: إنّ ما سمعتم لكافٍ لإقامة الحجة عليه؛ لممارسة العنف اللفظي والتشهير بالشركة وعرض سمعتها. نحنح، وبلع ريقه .. ثم وجه كلامه إلى (حُمّــــــــــد):- أليس هذا المحتوى أنت كاتبه؟ بصوت يتطاير منه الحنق، ويداعب بين أصابعه كرة مطاطية.

هز حمد رأسه، بإيجاب، وأردف: إنّ ما قرأته الآنسة آسيــــــة مقال يتضمن ملاحظتي في أعمالٍ الشركات والمؤسسات الخاصة بصفة عامة، وليس مقالاً موجها إلى كيانٍ بعينه وصفته. ولكن:

ما هي التهمة التي توجهونها إليّ؟ قالها، معدلا جلسته، ورافعا هامته وموجها نظرة حادة إلى المدير ونائبه. ولم يترك لأحدهم فرصة ردٍ، انتصب واقفا، ودفع كرسيّ بيساره بطرف قدمه، وقال: ما كان ينبغي أن يحدث كل هذا، أنحاسب على حبر أقلامنا!!. فغادر القاعة، وتاركا اللجنة تعوم في همهماتٍ وأحاديثٍ جانبية.لم يعد إلى المكتب، وفي طريقه لم ينتبه إلى ابتسامة الحارس، ولم يحيّيه كما كان يفعل دوما.

___

4

وفي صبيحة اليوم التالي، وصل المكتب ليجمع أغراضه، وفي جيب بنطاله رسالة استقالة، فوجد أغراضه في كرتونة، وبجوار  الحمّام، وعلى كرسي مكتبه السابق الآنسة آسيـــــــــة. 

التقت عيناهما. أشاح بوجهه عنها

«من تكونين .. أنت امرأة لا أعرفها». (قالها في نفسه، وأسرها)

أأنت الجميلة التي فتنت قلبي .. أهي أنت تلك الإنسانة التي ملكت روحي بعذوبة المعشر؛ والإنسانة التي كان يُبكيها مآسي الأغراب قبل الأقربون؟!

أم أنّ في قعر ذاتك، كانت امرأة من زئبقٍ لا يمس عصية على الحب؛ فلا يمكن للحب  أن يمس تلابيب روحها.

___

5

ما كان عليك أن تفعلي هذا بي ... يا آسيـــــــــــــــــة.

انتهــــــــــــــــــــــــت

 

بقلم الكاتب والقاص

 حمد موسي