الكتابة التي تخلو عن عاطفة كاتبها؛ حزنًا أو فرحًا.. رخيصة فلا تصل للقارئ إلا رديئة، فهي ليست رفاه اجتماعي وإنما لتجديد طاقة أواجه من خلالها الغد، أكتب فقط حتى لا تهزمني الحياة في معاركها.

(2)

يرن هاتفي، وعلى واجهة الشاشة اسم صديق عزيز، تركته يرنّ، ولاحظتُ أنّ نغمة الاتصال استرعت انتباهه، وجذبتْ سمعه إليها، خطفتْه برهة.

ألا ترد؟! (قال ذلك بصوت يشي عن الاستغراب). وأعقب «حتى النغمة يا .... (مازحني بلطف أسلوبه).

خطفه (عيســــــــى هارون) لحظة، بأسلوبه الفريد، فريد في صوته وألحانه، في أنغامه يأسر السمع، ويعلق القلب بهوى الكلمات .. كالبلابل يغرد الحرية، وينشد ألحان الحب والحق.

 

Abam-egemeh ..

Xagak  bagul  gaba kahliyom

Maca koh xiqo!

Mano sinnitom  kok anableh an!

 

الأغنية للفنان والمسرحي حمّـــــــــــدودابلي فيما مضمونه :

لا أدري ما يمكنني أن أفعله وليس غير ذلك ما حملني علي وضع يدي علي خدي 

ماذا عساي افعل لك وانا اري أن لا حياة لك .

(قال). ثم أنشد -إن لم ترتق إلى الغناء- بصوت رخيم ممتلئٍ بريق بأنفاسٍ مرهقة، حاملا الكلمات بغربالٍ مثقلٍ بهموم الحاضر والمستقبل.

Abam-egemeh ..

Xagak  bagul  gaba kahliyom

Maca koh xiqo!

Mano sinnitom  kok anableh an!

------------

(ساد الصمت في المكتب).

اخترق صوته حاجز الصمت، طالباً القهوة والماء وطفاية سجائر .. «أكيد لن تشاركني السيجارة» (قال وابتسامة استئذان تحمل كلماته). فنسي أنه طلبها -وهي تحت الإعداد- وأنْ أصدر أوامره في ذلك منذ دقائق قليلة زمنا.

ألم تطلبها منذ لحظات. (قلتُ). لم يكن منه سوى أن ردّ بإيماء وابتسامة.

بيني وبين روحي أتمتم كلمات الأغنية، مقلّبا بين أصابعي الورقة والتي طويتها خمسا، وظهري مُسند إلى كرسي أثير ناعم.

....

Yo ke yi-nabsi cisab lino

Yo ke yi-nabsi dubuk nani

(بي هم يستبد بنفسي وتعالج روحي وحشة الوحدة )

انتزعتْ نفسها – الورقة – من بين أصابعي ووقعت. لا أعرف أهي كانت تتخلص من توتري أم أنا الذي تخلصتُ من شر يكاد يصيبني منها، فأسقطتها عمدا. ارتفع صوتُ بوحي لنفسي .. و (حسن) مثبت عيناه في عيني وآثر الانصات، وملامحه تبدي تأثرا واندهاشا.

اقتحم -هو- همس السري، ودندن بإيقاع مختلف، وكأنه يقلد (حمّـــــــــــدودابلي) في صوته ومعاناته، وحتى بدى لي أن ملامحه تكاد تتطابق معه.

Kate wa qubul yamol gace

Yo  ke yi-nabsi ditet nani

(تظللني غمامة ليست تنقشع واتقلب وروحي في الظلام )

تسمّرت السكرتيرة بمكانها. فغرت فاها، يغني! يدندن! .. ألمْ تنتابه العصبية قبل نصف ساعة! (قالتْ، وهي تحدّث نفسها).

أدخلي، لماذا واقفة كالصنم؟ (قال لها).

في عينيها أسئلة وأسئلة، وهي تموضع فنجان قهوة على طاولته، والصمت مذ أن دخلتْ يثير في عقلها أسئلة وأسئلة. وهي تموضع فنجاني صوبتْ نظرها إلى موضع قدمي، وانتبهتْ أنني أوقعتُ الورقة. .لا يظهر من مكتوبها سوى كلمة (تحت)، أبت إلا أن تكشف وجهها العاري، رغم ما تعرضتْ لها من طيّ يمحو أثرها.

رفعتْ «السكرتيرة» الورق، خطت خطوات؛ وقفتْ أمام السلة،  ونطقت بصوتٍ مسموعٍ، كلمة ظلتْ ظاهرة على الوجه الآخر كأختها .. التفتتْ بنصف جسمها، وألقتها في السلة.

 

يتبع ...

بقلم الكاتب والقاص/حمد موسي