لملمت طموحها واغتالت نفسها كانت تغسل كحل عينيها بدموعها..وتغادر الملهى في آخر الدوام.. لقد فرمت وقتها وكدست ابتساماتها على طاولة الليل مع أقداح المنكر.. خلال تقديمها خدمة الترفيه لزبون الملهى الدسم..وتلقت بامتعاض مداسات يديه الجريئتين على ساقها الملاصقة له طيلة السهرة..وابتلعت على مضض ملء رئتيها أريج نتانة فمه المخمور وقبل أن تتأكد من ظلال الابتسامة التي بدت تلوح في وجهه إذ به يصفعها صفعة خفيفة سماها مزاحا في ذات المكان الذي كان يصفعها فيه زوجها المرحوم كلما حان موعد تفقده لجسدها ليصهر جسده فيه.

ضغطت غبنها حتى تفتت إلى جزئيات سائلة ودهنت بها حواسها..كل هذه المعاناة لتظفر في نهاية المشهد بحفنة نقود من جيبه المتورم بالمال..يرحل البطل أخيرا تاركا اياها في منفضة الملهى منطفئة المشاعر تحت دخان كآبتها..

قالت لنفسها وهي تنتحب على سلم الفندق متجهة نحو غرفتها:- هل ظلمني الزمان أم أنا ظلمت نفسي؟؟تدحرجت بها الذاكرة إلى زواجها الصفقة..حين باعها زوج أمها إلى العجوز الذي دفع أكثر..لتترمل بعد شهرين اذ لم تحتمل الشرايين الباردة في قلب زوجها غليان دمائها فاستقال من الحياة راضيا بمسك الختام..كموت هانئ في حضن صبية..متبعا قبل أن يغتالها جشع زوج أمها مرة أخرى..

لملمت طموحها في حقيبة عناد وركبت اول أمنية رست في ميناء تفكيرها مستسلمة لقدرها: مادمت سلعة سأستثمر رأسمالي بنفسي..

وهكذا صارت من أنشط غانيات الملهى..

في حفلة زفاف لاصدقاء طفولتها دعيت لقيت امينة احدهم وهو سعيد الذي كان متعلقا بها وجعله زواجها بغيره يكفر بالحب وبالنساء

مضى الوقت سريعاً تقدم ،  سعيد نحو العروسين مهنئاً ومصافحاً ينوي الرحيل .تجمّد الدم في عروقه ، وشعر أن روحه قد طلعت من مكانها،غاب عن الوقت ثواني ، إنه يحلّق في الفضاء ، لم يعد ملتصقاً بالأرض ، كأن الجاذبية الأرضية قد انعدمت ، نعم لقد ضغطت (أمينة) على يده بقوة .صهلت عظام جسمه، وصفقت أسنانه ، دبت الروح في شرايين تكلّست فيها الأحزان وانتعشت وأزهرت لديه حدائق الروح التي عششت فيها الوحدة والغربة .أراد أن يضغط على يدها بقوة أكبر معلناً أنه يدعوها لتركب خلفه على حصان أبيض ، وينطلق بها خارج هذا الركام وهذا الزحام ، كانت يده رخوةً وباردة ، وبدأت أصابعه تنسل شيئاً فشيئا من بين أصابع(أمينة) .لم تسمع( أمينة)صهيل الحصان الأبيض ، ولم تشعر بأية حرارة تذيب من حولها هذا الجليد القطبي .كان آخر ما رأته يخرج من بين أصابع (سعيد) وهو يودعها........ رايةً بيضاء . كتلك التي رفعها يوم استنجدت به من قدر كانت تساق اليه.

 

جمال أحمد ديني